كتب منير الربيع في "المدن":
ليس هناك ما يوحي بقرب حصول أي تغيير سياسي في لبنان. لا توقعات حول إمكان تشكيل الحكومة. فالمساعي متوقفة، والرئيس سعد الحريري متمسك بشروطه، ويحضّر للمزيد من الزيارات الخارجية. ورئيس الجمهورية ثابت على موقفه ولا يتنازل. هو من يمتلك حق التوقيع الأخير ويتمسك به، لأن الحكومة الجديدة طويلة الأمد، وقد تكون مصيرية في تقرير المسار السياسي للتيار العوني.
انتظار لبناني مستمر
مبادرة البطريرك الماروني ومواقفه الراهنة هي الحراك السياسي الوحيد الذي يشهده لبنان. وهي تستمر في التفاعل بقوة واتساع. في المقابل، هناك طرح مضاد لحزب الله: تأييد الحوار، ولكن بين القوى اللبنانية من دون الحاجة إلى التدويل. وهذا موقف واضح أوصله الحزب إلى البطريرك، وأعلنه المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان. أما التيار العوني فيريد للحوار أن يكون داخلياً، ليقتصر الدور الدولي على حماية المسيحيين ومكتسباتهم، وتقوية موقفهم (أي المكتسبات والمواقف العونية)، من دون الدخول في التفاصيل السياسية، التي يعتبر التيار أنه يعززها بناء على علاقته بحزب الله.
موقف الراعي والمواكبة السياسية والشعبية المؤيدة له حول تدويل الأزمة، يعنيان أن لبنان في حال انتظار التطورات الإقليمية والدولية: انتظار مسار تطور العلاقة الأميركية - الإيرانية، وحدها من دون سواها، في المرحلة المقبلة.
هناك قوى لبنانية تنتظر إيران، وأخرى تنتظر الولايات المتحدة الأميركية وما يمكن أن تفعله، وينعكس على الساحة الداخلية. لكن في لحظة الانتظار اللبنانية هذه، حصلت الضربة الأميركية على مواقع جماعات تابعة لإيران على الحدود العراقية - السورية. وكان لافتاً أن الغارات استهدفت الجانب السوري. وذلك لعدم إحراج رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي. وكانت الضربة بالغة الأثر والقوة.
لبنان ساحة التوتر
في أحد جوانبها تعني الضربة تصعيداً أميركياً، وعدم السكوت على الاستفزازات الإيرانية في العراق والمنطقة كلها. وهي استهدفت منطقة حيوية واستراتيجية في حسابات طهران، التي لم تعد قادرة على توفير طريق آمن بين سوريا والعراق.
وتنطوي الضربة أيضاً على مبدأ التفاوض بالنار مع إيران، في موازاة مفاوضات غير مباشرة عبر جهات متعددة. وتفيد معطيات أن التفاوض طويل ومحفوف بالكثير من الصدامات، لأسباب أميركية وإيرانية. ولا يمكن إغفال العامل الإسرائيلي. وتؤكد مصادر قريبة من الإيرانيين أن هناك جهات إيرانية تعتبر أن المنطقة مقبلة على المزيد من التوتر في المرحلة المقبلة.
وهناك ساحات ثلاث لهذا التوتر: سوريا والعراق ولبنان. تقديرات إيرانية ترى أن لبنان ساحة جذابة لزيادة منسوب التوتر، لأن الوضع في العراق أصبح محدداً وخاضعاً لقواعد واضحة. أما في سوريا فلا تزال القواعد على حالها. ووحده لبنان قد يشهد بعض التغيير في قواعد الاشتباك، وخصوصاً إذا ما شعر الإسرائيليون بأنهم في حاجة إلى تصعيد موقفهم، في ظل التقارب الأميركي - الإيراني، سعياً لعقد اتفاق جديد.
لبنان بين تطرفين
لا تريد إسرائيل عقد اتفاق أميركي - إيراني لا يلحظ مصالحها الاستراتيجية. ومواقف المسؤولين الإسرائيليين واضحة: في كل يوم يخرج مسؤول إسرائيلي بتصريح يقول إن تل أبيب لن تسمح لأميركا بتكرار تجربة الاتفاق النووي مع إيران، من دون حلّ مشكلة صواريخ طهران وحلفائها، وخصوصاً صواريخ حزب الله.
لذا، قد يندفع الإسرائيلي في أي لحظة إلى خيار تغيير قواعد اللعبة، إنطلاقاً من لبنان. وقد يتطور الأمر ليصل إلى تنفيذ عمليات أمنية وعسكرية ضد مواقع حزب الله، على مثال ما يجري في سوريا. وإيران تبدو مستعدة لمثل هذه الاحتمالات، ولن تسكت عنها إذا حصلت. ففي داخل إيران هناك توجه تصعيدي يرعاه الحرس الثوري، الذي يحضر لانتخابات رئاسية في شهر حزيران المقبل.
هذه العوامل والمعطيات تضع الأزمة اللبنانية على طريق التدويل مجدداً. فالتطورات تؤكد أن حل الأزمة دولي - إقليمي، وليس لبنانياً داخلياً.
وهذا ما يدفع بمن يصر على المؤتمر الدولي إلى التمسك به. فحزب الله والداعون إلى عقد مؤتمر لبناني - لبناني، يهدفون إلى كسب الوقت فقط. وهناك تجارب سابقة في الحوار الداخلي أثبتت فشلها الدائم.
ووسط هذا كله يستمر الانقسام حول تدويل الأزمة، ويشتد داخلياً ويتسع، على إيقاع التطورات الخارجية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك