كتب ألان سركيس في "نداء الوطن":
يعطي تحرّك اليوم المرتقب في بكركي دلالات عميقة في الحياة السياسية اللبنانية، ويبعث برسائل عدّة إلى من يعنيهم الأمر مفادها بأنه لا يزال هناك صوت صادح في هذا الوطن يقول للمسؤولين: ماذا تفعلون؟
لا تدخل لعبة الأرقام كأحد أهداف تحرّك اليوم، فالمسألة مرتبطة برمزيتها أكثر من القدرة على الحشد، فالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ليس بحاجة إلى استفتاء شعبي، وهو لا يخوض معركة إنتخابية ويريد أن يُظهر حجمه، بل إن كل ما يريده هو تنفيذ خريطة طريق رسمها بنفسه لهذا البلد وتُشكّل باب إنقاذ لا بدّ منه.
يعرف سيّد الصرح أن الفساد وسوء الإدارة ونهب الخزينة العامة وعدم المحاسبة من أهم الأسباب التي أوصلت الوضع اللبناني إلى الإنهيار، لكنّه في المقابل مقتنع بأن الأوضاع السياسية والوصايات والتدخلات الدولية المتلاحقة لعبت الدور الأكبر في ما آلت إليه الأوضاع، لذلك فإن التغيير يبدأ بالسياسة وتموضع لبنان ليصل حكماً إلى الإقتصاد وإصلاح مالية الدولة.
قد يكون فيروس "كورونا" أحد أهم العوائق في خفض منسوب المشاركة الشعبية، لكن الأهمية تكمن في أن الدعوة أتت عفوية وليست من جهات سياسية، وإن كانت بعض القوى التي تقف إلى جانب البطريرك ستشارك في التجمع، والأهم من كل هذا أن الحشد لن يقتصر فقط على المسيحيين بل إنه يشمل فئات عدة من المجتمع ومن كل الطوائف، خصوصاً وأن الراعي لا يُطالب بحقوق المسيحيين فقط بل بحقوق كل الشعب اللبناني.
وتحت شعار "بكركي ما بتمزح" و"لكل استقلال بطريرك" ستتقاطر الوفود إلى الصرح البطريركي من كل لبنان، في صورة جامعة تدلّ على أنّ البطريرك ليس متروكاً لوحده بل إن الشعب يلتف حوله من كل الأطياف، كذلك سيُعطي هذا اللقاء صورة واضحة للمجتمع العربي والدولي بأن طروحات الراعي تحظى بمبايعة لبنانية واسعة النطاق ولا تنحصر فقط بأسوار بكركي والإكليروس الماروني.
شكّلت مطالبة البطريرك الراعي منذ تموز الماضي بالعودة إلى مبدأ الحياد وفكّ أسْر الشرعية وتحرير لبنان من الوصاية، نقطة انطلاق لحراك محلّي وعربي ودولي باتجاه البطريركية المارونية، وعندما أدرك البطريرك أن الطبقة السياسية تصمّ آذانها عن سماع كلمة الحق وصوت الضمير، رفع السقف مطالباً بمؤتمر دولي خاص لإنقاذ لبنان، وأمام قوّة كلمة بكركي أتى التهديد من السيد حسن نصرالله بأن "لا يمزح أحد في هذا الموضوع"، فأتى الردّ سريعاً من الصرح بأن "بكركي ما بتمزح".
لم ينفع التهديد مع الراعي، فهو قال كلمته ومشى نحو الفضاء الواسع للبحث عن كيفية إيجاد آلية لتطبيق طروحاته، في حين أن الشعب تلقّف المبادرة وتمسّك بها لأنه يريد الخلاص من "جهنم" التي يعيش فيها، لذلك فان المناطق على أهبة الإستعداد للمشاركة في تجمّع اليوم وللقول "نحن معك يا سيّدنا ونحن مع تحييد لبنان عن الصراعات الدولية، ونحن مع المؤتمر الدولي، وأيضاً مع تحرير لبنان من الوصاية الإيرانية والتدخلات الخارجية واستعادة الدولة لقرارها وحصر السلاح بيد الشرعية وتسليم جميع الميليشيات سلاحها وعلى رأسها "حزب الله".
ولن تكون الكلمة التي سيلقيها الراعي أمام الجماهير حسب معلومات "نداء الوطن" إلا استكمالاً للمسار الذي يسلكه منذ تموز الماضي، فهو سيؤكّد أهمية الحياد وتطبيق الدستور وإنقاذ الدولة وإعادة هيبتها بشتى الوسائل، وسيتوجّه إلى المجتمع الدولي طالباً منه تحمّل مسؤولياته في إنقاذ لبنان بعدما فشل المسؤولون فيه في هذه المهمّة وتحريره من الوصايات الخارجية وصون إستقلاله عبر مؤتمر دولي إنقاذي، كذلك ستكون الكلمة عالية السقف تجاه الممارسات التي تحصل والخرق المستمر للدستور وعرقلة تأليف حكومة.
واكتملت التحضيرات الشعبية لمواكبة حدث اليوم، في حين أن التخوّف الذي كان سائداً من أن تعمد الأجهزة الأمنية إلى وضع حواجز على مداخل جونية من أجل عرقلة وصول المتظاهرين، في مشهد يشبه ما كان يحصل أيام اللقاءات الشعبية في زمن الإحتلال السوري، تبدّد وسط التأكيدات الأمنية التي تصب في إطار تسهيل مرور المتظاهرين وحمايتهم خصوصاً أن الزمن تغيّر والأجهزة لا تريد الدخول في مواجهة مع الشعب.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك