كتب منير الربيع في "المدن":
لا يشير التوتر المتصاعد على خط بعبدا وبيت الوسط، إلى إمكان التفاهم بين ميشال عون وسعد الحريري على تشكيل الحكومة. فعون لا يفوّت مناسبة إلا ويؤكد فيها قولاً وفعلاً أنه لا يريد سعد الحريري رئيساً للحكومة.
والرئيس المكلف كان منذ البداية يحاول تجنيب رئيس الجمهورية أي مواقف تصعيدية. فهو توجه أكثر من مرّة إلى نواب كتلته بتركيز هجومهم على "الغرف السوداء" في القصر وليس على الرئيس. أي على المحيطين به والمقربين منه. وبعد تسريب فيديو عون المسيء للحريري، فضل الأخير التريث وعدم الردّ، لعلّ رئيس الجمهورية يتراجع وتنجح الضغوط في تغيير موقفه. لكن رهانه كان في غير محله، فعون لا يتغيّر. ووصل الحريري إلى قناعة أن رئيس الجمهورية هو من يقود المعركة ضده.
الحريري بعد صمت
وأعلن عون بنفسه أنه قائد المعركة في البيان الذي أصدره ظهر الجمعة 22 كانون الثاني الجاري، مؤكداً فيه أن لا علاقة لباسيل ولا لحزب الله ولا لأي طرف بما يقرره رئيس الجمهورية. أراد عون بهذا القول إن مشكلة الحريري معه هو وليس مع أحد سواه.
وبناء عليه، عقد رئيس تيار المستقبل لقاءات مع شخصيات بيروتية وغير بيروتية، فلاموه جميعاً على صمته وعدم ردّه على فيديو عون. وهذا فيما كانت معلومات تشير إلى أن الحريري ورؤساء الحكومة السابقين يحضّرون لتحرك في اتجاه القوى المسيحية، لإعلان موقف يرفض إساءة عون، لكن التحرك لم يحصل.
حالياً، وصلت الأمور إلى نقطة لا يمكن التراجع عنها. وقرر الحريري الرد والهجوم. وأول الردود تناولت بيان قصر بعبدا الذي يبدأ للمرة الثانية بنفي أي دور لباسيل في تشكيل الحكومة. أما تيار المستقبل فوصف بيان القصر الجمهوري بأنه صدر عن مكتب رئيس التيار الوطني الحرّ.
جبهة معارضة؟
يفترض أن تستمر هذه المعركة طويلاً، طالما أن عون لن يتنازل للحريري، ويصر على فرض كامل الشروط عليه. أما الرئيس المكلف فيبقى متمسكاً بتكليفه وبموقفه بعدم تقديم أي تنازل. وهذا استعصاء قد يؤدي إلى توتر، فيما جهات عديدة تتحرك على أكثر من خطّ: رؤساء الحكومة السابقون مصممون على دعم الحريري. وليد جنبلاط لا يزال ينصح الحريري بالاعتذار وقلب الطاولة ورمي كرة النار بين يدي عون وحزب الله. القوات اللبنانية تطرح تشكيل جبهة معارضة.
ويقود هذا كله إلى خلاصة واحدة: لن تولد حكومة بعدُ في عهد ميشال عون إلا كما يريدها عون نفسه.
وهذا جنبلاط ذاهب في مواقفه التصعيدية إلى أقصاها منتظراً أن يلاقيه الحريري ورؤساء الحكومة السابقون. وهو يبحث عن قواسم مشتركة مع قوى مسيحية تبدأ بالبطريرك ولا تنتهي بالقوات اللبنانية وحزب الكتائب وغيرهم. وتشمل شخصيات في التيار العوني ترفض المسار القائم.
صارت القوى السياسية على قناعة أن عون ليس رجل تسويات. يقيم علاقة مع شخص أو طرف، وعندما تنتفي حاجته إليه يتخلي عنه. هذا ما حصل مع حسان دياب، ومع الحريري في تسوية 2016. ولأن الحريري خرج من تلك التسوية ويرفض العودة إليها، يصر عون على البحث عن خيارات أخرى غير الحريري.
أين حزب الله؟
عون لا يزال يفكر بعقلية رئيس التيار العوني، لا بعقلية رئيس الجمهورية. وفي حساباته تتداخل جملة عوامل: أبرزها موقف حزب الله الذي يرفض مسايرته في كسر الحريري. أما عون فيحاول ابتزاز الحريري بما يسمى "تركيب ملفات"، ويفضل تكليف شخصية مشابهة لحسان دياب تشكيل الحكومة. ويرى في فؤاد مخزومي أفضل المرشحين.
وقبل أيام حصلت مؤسسة مخزومي على إذن من وزارة الصحة باستقدام لقاحات إلى لبنان لمواجهة فيروس كورونا. لم يكن لهذا الإذن أن يتوفر لو لم يكن عون وحزب الله متحمسين له. وهدفه ضرب مفعول زيارة الحريري إلى الإمارات وسعيه إلى توفير اللقاحات.
وما حصر مخزومي مسألة توفير اللقاحات بأهل بيروت إلا محاولة منه للعب في البيت الداخلي لرئيس تيار المستقبل.
هذا كله لن ينتج حلاً ولا حكومة، إلا إذا انكسر الطرفان. أما في حال استمرار الوضع على حاله، وعدم تشكيل جبهة معارضة عريضة قادرة على استعادة التوازن بين قوى مسيحية وإسلامية، وتحرج حزب الله وتجبره على الضغط على رئيس الجمهورية، فيعني أن الأزمة مستمرة.
وطالما عون في قصر بعبدا، لا حديث قبل العام 2022.
الأكــــــثــــــر قــــــراءة
مـــــــــقـــــــــالات ذات صـــــــــلـــــــــة
إقــــــرأ أيــــــضــــــاً
COOKIES DISCLAIMER
This website uses cookies to give you the best experience. By continuing to
browse this site, you give us your consent for cookies to be used.
For more information, click here.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك