"الراي الكويتية":
تعبئةٌ سياسية، تعبئةٌ في الشارع، تعبئةٌ صحية. «مثلثٌ مُخيفٌ» ارتسمت زواياه الحادة في الساعات الماضية فيما لا يزال لبنان يدور في دائرة مقفلة في بحثه عن توافق صعب مع صندوق النقد الدولي على برنامجٍ إنقاذي بات التوصل إليه يُسابِقُ «كرةَ النارِ» التي تتدحْرج في الإقليم المشتعل والتي صارت بيروت في مرماها عبر آخِر «عصْفها» الآتي على متن «قانون قيصر» الأميركي.
وتوقفت أوساطٌ واسعةُ الاطلاعِ عند التعبئة السياسية التي بَرَزَت في اليومين الأخيريْن وبدت مشبَّعةً بالرسائل التي تعكس منحى اضطرابياً تتجه إليه البلاد، وجرى التعبير عنها في اتجاهيْن:
* الأوّل تولاه رئيس الجمهورية ميشال عون الذي انبرى إلى هجومٍ بوجه اندفاعة «تيار المستقبل» (بقيادة الرئيس سعد الحريري) على خلفية «جلسة مجلس الوزراء التي أعادت إحياء معمل سلعاتا (ضمن خطة الكهرباء) خلافاً لقرار سابق أصدره المجلس»، واعتبارها ما حصل «نموذجاً صارخاً على التفريط بالصلاحيات وإخضاع الحكومة لمنطق الحُكم الرئاسي»، محمّلة «رئيس مجلس الوزراء (حسان دياب) المسؤولية المباشرة عن هذا التفريط»، ومنبّهة لمخاطر «سياسات تنحو نحو الانقلاب على الطائف وتحويل الرئاسة الثالثة خيال صحراء في النظام السياسي».
وبدا واضحاً أن عون تَعَمَّدَ «صدّ» هذه الاندفاعة أولاً «دفاعاً عن نفسه»، وثانياً بما يرفد دياب بما يشبه «المقويات» السياسية - الدستورية، وهو ما عكسه إلحاق البيان الذي صدر عن مكتبه الإعلامي (الاربعاء) وهاجم فيه «جهات سياسية وإعلامية تلجأ الى الادعاء ان رئاسة الجمهورية تهيمن على صلاحيات مجلس الوزراء وتخالف الدستور»، بكلامٍ مباشر أطلقه خلال جلسة الحكومة أمس، وأكد فيه «لم يعد مقبولاً السكوت عن الاتهامات العشوائية التي تُوجّه في الاعلام والسياسة للرئيس وللحكومة»، معلناً «أمارس صلاحياتي كاملة وأعرف صلاحيات الجميع لا سيما مجلس الوزراء».
ولاحظتْ الأوساط المطلعة عبر «الراي»، أن هذا الأمر ترافق مع محاولة تعزيز صورة الانسجام داخل البيت الحكومي، سواء عبر تقديم موقف موحّد من موضوع التمديد لقوة «اليونيفيل» ورفْض أي تعديل في مهماتها وعديدها، أو من خلال الاجتماع المالي الذي عقده عون أمس بمشاركة دياب ووزير المال غازي وزني وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وخُصص للبحث في مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والخطوات الواجب اتخاذها للإسراع بعملية التفاوض وتسهيلها والذي خلص إلى «الاتفاق على إلزامية توحيد الأرقام (حول الخسائر المالية بين وفد الحكومة ووفد المركزي) وفق مقاربة واحدة، على أن يحصل اجتماع الاثنين (لبتّ الارقام)».
ورغم هذه المحاولة المزدوجة التي لم يتوانَ البعض عن ربْطها بفشل «بالون الاختبار» حول التعديل الحكومي الذي جرتْ محاولة من داخل البيت الحكومي لـ«حياكته»مع قوى معارِضة بما يصفّح تشكيلة «اللون الواحد» تجاه تشظيات «قيصر» وعقوباته كما بإزاء الشارع الغاضب، وبالحدّ الأدنى بما يرمّم صورة الارباكات الكبيرة التي عبّرت عن نفسها بمسارٍ بدت معه الحكومة المتخبطة وكأنها «تفعل الشي وعكسه» (كما في معمل سلعاتا) أو «لا تفعل شيئاً»، فإن مؤشريْن سلبييْن حجبا سريعاً أي مفاعيل قريبة مرتقبة لتلك المحاولة.
المؤشر الأول عدم قدرة الحكومة في جلستها أمس على إمرار أي من التعيينات الإدارية التي بدا التوافق حولها بمثابة «جواز مرور» للتعيينات المالية التي يترقّبها صندوق النقد الدولي والتي ما زالت عالقة في دائرة تجاذبات حول الحصص. أما المؤشر الثاني فإرجاء جلسة المفاوضات مع صندوق النقد (يوم الأربعاء) على خلفيةٍ تم ربْطها باستمرار الوفد اللبناني بـ«لسانين» في ما خص أرقام الخسائر، وهو ما شكّل «جرس إنذار» متقدماً حيال إمكان انزلاق المفاوضات سريعاً نحو فشل مبكر، حاول لبنان الرسمي تدارُكه عبر الاجتماع المالي أمس.
* أما الاتجاه الثاني في التعبئة السياسية والذي واكبه تطور لم تُعرف تداعياته على الواقع الحكومي وتمثّل في ما كُشف عن إبلاغ دياب مجلس الوزراء بتشكيل خلية أزمة لدرس«قانون قيصر»وملفات ذات طابع اقليمي، فتركّز على إطلاق «إشارات الإنذار» للشارع الذي يتهيأ لـ«تسخين الأرض» ابتداءً من اليوم وغداً، وهو ما توّجه رئيس الحكومة أمس راسماً سيناريو مسبقاً للتحركات الاحتجاجية عبر تحذيره «نتفهّم صرخة الناس التي تشعر بوطأة الوضع الاجتماعي. لكن الخوف أن تحصل محاولات لتوظيف هذه الصرخة في السياسة، وتتحوّل مطالب وهموم الناس وسيلة تتسبب مجدداً بالعودة إلى قطع الطرق وتقطيع أوصال البلد».
وجاء كلام دياب على وقع «التعبئة» التصاعُدية في الشارع الذي يشي بموجة ثانية من «ثورة 17 اكتوبر» ستحْضر فيها هذه المَرّة عناوين الخلافات السياسية العميقة الكامنة في الواقع اللبناني، ولا سيما سلاح «حزب الله» وتنفيذ القرارات الدولية الخاصة به، والتي ستبْرز خصوصاً في تظاهرة يوم السبت في ساحة الشهداء إلى جانب الدعوة للانتخابات النيابية المبكرة وملفات الفساد والإصلاح، وسط خشية من أن تتحوّل هذه العناوين «خط اشتباك» ميدانياً وتُحْدِث استقطاباً سياسياً - شعبياً يمكن أن يُستغلّ عبر معادلة «شارع ضد شارع» لتعطيل النسخة الثانية من الانتفاضة وتحويل التحركات إلى اضطراباتٍ وتوترات تنفّس الحِراك الذي يشهد تجاذباتٍ بين مجموعاته حول «نزول السياسة على الأرض» بدعمٍ علني من أحزاب (كما الكتائب) لتظاهرةِ السبت كما إزاء بعض المطالب، وهو ما يظهّره انفراد مجموعاتٍ بتحركاتٍ اليوم.
وفي موازاة رصْد «الثِقل» الشعبي لما ستشهده بيروت والمناطق في الساعات المقبلة، فإن طيْف «كورونا» سيظلّل تَجَدُّد الانتفاضة، وسط تمديد الحكومة التعبئة العامة اعتباراً من 8 الجاري وهذه المرة لأربعة أسابيع حتى 5 يوليو، بناءً على توصية المجلس الأعلى للدفاع «على أن يتم الابقاء على النشاطات الاقتصادية التي يمكن أن تعاود العمل تدريجاً ضمن نطاقها ووفق المراحل الزمنية المحددة».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك