كتب يوسف دياب في "الشرق الأوسط":
اتسعت دائرة الخلاف بين وزيرة العدل اللبنانية ماري كلود نجم، ومجلس القضاء الأعلى على خلفية تأخر الوزيرة في توقيع مرسوم التشكيلات القضائية الذي أنجزه المجلس قبل ثلاثة أشهر، ومن ثم تجزئة المرسوم إلى مرسومين، في وقت يبدو أن التشكيلات لا تزال ضائعة في دهاليز الخلافات السياسية والصراع على المواقع القضائية التي يتنازعها أهل السلطة.
وحفلت الساعات الماضية بسجال إعلامي بين الطرفين، إذ اتهمت وزيرة العدل مجلس القضاء بالخضوع للضغوط السياسية، وتعيين قضاة في مراكز معينة، ما دفع بالأخير إلى اتخاذ موقف عالي اللهجة، اعتبر فيه أن الوزيرة «قدمت مقاربة غير منصفة لموضوع التشكيلات». ورأى مجلس القضاء في بيان أن «كلام الوزيرة عن وجود مآخذ مسلكية تطال بعض القضاة في مراكز محددة غير مسند ويجافي الواقع، وكان الأجدى بها إيراد هذا الأمر في ملاحظاتها التي أولى القانون وزيرة العدل إبداءها على مشروع التشكيلات عوضاً عن ذكرها في الإعلام».
وأمام تمسّك كلّ طرف بموقفه من التشكيلات، أكد رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، أنه «يقوم بواجباته كاملة ولا يبحث عن خلافات مع أحد». وشدد لـ«الشرق الأوسط»، على أن «مجلس القضاء الأعلى قام بكل ما يمليه عليه الواجب وأنجز التشكيلات القضائية بكل استقلالية وفق قناعته وحرّيته، والكرة باتت في ملعب السلطة السياسية وليس عندنا». ورفض القاضي عبود الإيحاء بأن التشكيلات لم تراع مبدأ القاضي المناسب في المكان المناسب، وقال: «وضعنا معايير علمية وموضوعية للتشكيلات لم تكن موجودة، وأنجزنا في مجلس القضاء عملاً جماعياً ومتحداً، ونحن نتحمّل مسؤولية نتائج هذه التشكيلات نجاحاً أو فشلاً». وختم عبود قائلاً: «ليس لدي هدف أو غاية أخرى غير القضاء، والعمل على تحقيق الاستقلالية التامة للقضاء والتحرر من التأثيرات السياسية».
في المقابل، لفت مصدر مسؤول في وزارة العدل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «المآخذ على التشكيلات لا تقتصر على وزيرة العدل، بدليل ما أعلنه رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية النائب جورج عدوان، الذي وصف التشكيلات في شقها الجزائي بأنها سيئة». وقال المصدر: «كلنا مدرك أن مجلس القضاء هو المرجع الأساسي والوحيد لتقييم أداء القضاة وتشكيلهم، لكن من واجبات وزيرة العدل الإضاءة على الثغرات التي تعتري التشكيلات، والدستور أعطاها حق إبداء الرأي عليها»، مشيراً إلى أن الوزيرة ماري كلود نجم «لم تعترض على أي اسم في التشكيلات، لكنها اعترضت على المبدأ».
وكان مجلس القضاء الأعلى أنجز التشكيلات في 5 آذار الماضي، وأحالها على وزيرة العدل لتوقيعها على أن تصدر بعد تذييلها بتواقيع وزيري الدفاع والمال ورئيسي الحكومة والجمهورية، لكنّ نجم وضعت ملاحظات عليها، ورفضت إبقاء بعض المراكز حكراً على طوائف محددة، ولاحظت أن التشكيلات لم تأخذ برأي وزيرة الدفاع زينة عكر بما يخص القضاة العدليين المنتدبين إلى المحكمة العسكرية، إلّا أن مجلس القضاء أصرّ بإجماع أعضائه على صدور التشكيلات بالصيغة التي وضعها من دون أي تعديلات، عندها أقدمت الوزيرة على تجزئة مشروع المرسوم إلى مرسومين، الأول يتعلّق بالقضاء العدلي والثاني بالقضاء العسكري وهو ما جمّد التشكيلات.
ونفى المصدر البارز في وزارة العدل تجميد مرسوم التشكيلات، وشدد على أن الوزيرة ماري كلود نجم «لم تضع التشكيلات في أدراج مكتبها كما فعل وزراء عدل سابقون». ولاحظ أن «النص لا يلزم وزير العدل بمهلة زمنية، في حين أن الوزيرة وضعت ملاحظاتها على المشروع في غضون ثلاثة أيام وأعادته إلى مجلس القضاء» وأضاف «لو كانت تريد عرقلة التشكيلات كان بإمكانها أن تهمل المشروع، لكنها لم تفعل بل أخذت بعض الوقت للتدقيق في الأسماء». وأوضح أن وزيرة العدل «طلبت استعادة مرسوم التشكيلات من مجلس الوزراء، لتضمّ إليه المذكرة الإلحاقية التي وردتها من مجلس القضاء الأعلى والتي تتضمن معالجة النقطة التي أثارتها وزيرة الدفاع، وضرورة أن يقتصر مرسوم التشكيلات على 12 قاضياً في المحكمة العسكرية بدلاً من 18 وفق ما ورد في مشروع التشكيلات، ولتعيد توحيد الرؤية في التشكيلات وفق الصيغة التي وضعها مجلس القضاء بعد إدخال التعديلات اللازمة».
واستغرب المصدر المسؤول في وزارة العدل الهجمة غير المسبوقة التي تتعرض لها الوزيرة نجم، والتي ترسم علامات استفهام كبيرة. ودعا إلى «عدم التفريط في فرصة وجود الوزيرة نجم في وزارة العدل، ووجود القاضي سهيل عبود على رأس السلطة القضائية، للبدء بتطبيق استقلالية القضاء وإبعاده عن التدخلات السياسية».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك