كتب بشارة شربل في "نداء الوطن":
أحياناً يكون الخبر المفجع غير قابل للتصديق. ومعظم الأحيان يمارس الأحبّاء لوهلة حال نكران. أمّا ذاك الانفجار في اليوم المشؤوم فصدّقناه فوراً، ليس فقط لأنّ مسلسل الاغتيالات كان مستمرّاً بعدما حصد قيادات، بل لأنّ سمير قصير كان هدفاً معروفاً للنظام الأمني، منذ طارده العَسَسُ على مدى سنواتٍ وصولاً إلى وقفته الشّهيرة في ساحة الشهداء مطالباً بالحرية للبنان وسوريا على السّواء.
كتب سمير الأستاذ والمؤرّخ سيرة بيروت والحرب، وترك الكتاب مفتوحاً على سيرةٍ لامعة لم يُتَح لها الاكتمال. هو مرّ كالبرق في تاريخ لبنان. الحالم فيه حقّق بعض ما أراد. ارتفعت صور رموز النظام ونُصِبَت الخيم وسط العاصمة وحصلت تلك اللحظة الاستثنائية في تاريخ لبنان. أكثر من مليونٍ هتفوا "حرية، سيادة، استقلال"، وعلى وقع إرادة التحدّي والصّمود في وجه آلة القتل الهادفة، انسحب جيش الاحتلال مخلّفاً أتباعاً حاولوا تباعاً وبنجاح لجم التغيير الذي قصّر عن رغبة سمير في "انتفاضةٍ في قلب الانتفاضة"، فكان انتصار مليء بالنكسات، وكانت إنجازات تحتاج متابعة وتحصيناً ونضالاً طويلاً ليتحقّق حلم سمير في حريةٍ يجب أن تلغي هيمنة أعداء الحرية الداخليين بعدما تقلّمت أظافر الطامعين الخارجيين.
لم يذهب استشهاد سمير هباء لأنّ "ثورة الأرز" التي كان فتاها الأغر بقيت في ضمائر اللبنانيين وفي تجربتهم جميعاً بمن فيهم أولئك الذين ناهضوها لجملة أسباب، وهي أسست حتماً لثورة 17 تشرين. وكلاهما جزء مميّز من تراكم تاريخي معقّد، شكّلت بلورة الكيان قبل قرنٍ من الزّمن مرحلة أساسية فيه، واستمرّ عبر الجلجلة التي يعيشها لبنان منذ أول استقلال.
أين نحن من حلم سمير قصير؟ سؤال سنطرحه على الدّوام. فهو حلم بأشياءٍ كثيرة لكنّ كلمة واحدة اختصرت كلّ الأحلام. إنها الحرية ليس للبنان فحسب، بل لكلّ بلدٍ يعاني من سلطة عسف وانتهاك لحقوق الإنسان... هو الرّبيع، حلم به على وسع المنطقة ليشمل لبنان، يزهر بصعوبة، لكنّ مصير الزّهر أن يتفتّح ولو بعد حين.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك