يفترض أن يناقش مجلس الوزراء في جلسته المقررة اليوم، في حال عدم مقاطعة وزراء «تكتل الإصلاح والتغيير «، موضوع الموازنة العامة للعام 2012، حيث يؤكد بعض الوزراء أن الحكومة ستنجز مناقشة المشروع وإحالته إلى مجلس النواب قبل نهاية شهر تموز الحالي، لكي تتفرغ بعد ذلك إلى إعداد مشروع قانون موازنة العام 2013 ضمن المهلة الدستورية.
إشارة هنا إلى أن وزير المالية محمد الصفدي كان قد أنجز مشروع موازنة العام 2012، في المرة الأولى خلال المهلة الدستورية، قبل أن تعاد لإعادة النظر فيها، بعد تصحيح الأجور وغيرها من النفقات الإضافية والتعديلات المستجدة حول مصادر الإيرادات.
مصدر وزاري مطلع يشبه الوضع المالي والاقتصادي في البلاد بأنه «حافلة ركاب كبيرة تسير نزولاً بسرعة كبيرة، ومن دون سائق». هذا يعني أن الوضع المالي يمر بصعوبة كبيرة في غياب الحد الأدنى من العلاجات والتوافق الداخلي.
بالعودة إلى الموازنة وشكلها، إذا انعقدت جلسة مجلس الوزراء اليوم، هناك جملة مشكلات متشعبة، منها ما له علاقة بمضمون الموازنة ونفقاتها، ومنها ما يتعلق بمشكلات اجتماعية وحياتية وخدمية، في أكثر من قطاع، يمكن التوقف عند بعضها نظراً لتشعبها وتنوعها.
1- بداية، لقد باشر وزير الدولة مروان خير الدين اجتماعاته في اللجنة المشتركة التي تضم ممثلين عن الهيئات الاقتصادية، التي تطالب بجملة أمور أبرزها رفض زيادة الضرائب الجديدة على الأرباح والريع العقاري، وكذلك على الفوائد المصرفية التي يعتبرها القطاع المصرفي تؤثر على حركة الودائع، وبالتالي تنعكس على حركة الاموال وتمويل احتياجات الدولة، على اعتبار أن القطاع المصرفي ما زال يشكل الممول الأول لحاجات الخزينة (حوالى 29 مليار دولار ديون المصارف على الدولة حتى نيسان 2012).
2- على الصعيد المالي، أنجز وزير المالية محمد الصفدي تعديلات مشروع الموازنة العامة للعام 2012، وأحال المشروع إلى الحكومة، التي لم تستطع مناقشته نتيجة الظروف الأمنية والسياسية التي سادت الأسبوعين الأخيرين. المهم في الأمر أن أرقام الموازنة تتقيد بعجز قدره 5568 مليار ليرة، أي ما نسبته 26 في المئة. لكن الصعوبة المالية تبقى قائمة في البحث عن مصادر تمويل العجز، في ظل الظروف السياسية وعدم الاستقرارالمستمر. ويفهم من المتداول أن هناك بعض الفرق بين طروح وزير المالية من جهة، ورئيس الحكومة وبعض الوزراء حول الإيرادات الإضافية الضرورية لتمويل النفقات الإضافية والاستثمارية المستجدة. وهو أمر لا يعتبره البعض مهماً، ويمكن تأجيله لتضمينه موازنة العام 2013.
2- النقطة الثانية الهامة، يقول الوزير خير الدين، لـ«السفير»، أنه استمع إلى مطالب القطاعات الاقتصادية والهيئات حول العديد من الأمور، وأن جلسة أخرى ستعقد هذا الأسبوع لبلورة بعض النقاط وإحالتها بمشاريع قوانين. ويشير خير الدين إلى أن موازنة العام 2012 ستكون مصغرة ومختصرة، وفق التعديلات الأخيرة التي وضعها وزير المالية محمد الصفدي، بحيث تسهل مناقشتها في الحكومة وإحالتها إلى مجلس النواب نهاية تموز الحالي لتقر في المجلس وبعدها الانصراف إلى إعداد موازنة العام 2013.
3- تفيد المعلومات التي يؤكدها الوزير خير الدين، بأن مشروع موازنة العام 2012 سيتضمن بعض التعديلات الأساسية، أبرزها انها تنطلق من التقيد بسقف العجز المقدر بحوالي 5668 مليار ليرة وسقف الإيرادات المقدرة بحوالي 15000 مليار ليرة، بحيث يكون إجمالي الإنفاق حوالي 21000 ألف مليار ليرة. أما أبرز التعديلات الجاري بحثها فتتعلق بسحب قوانين البرامج من مشروع الموازنة لإحالتها بمشاريع قوانين منفردة لاحقاً، وهي مشاريع تتعلق بتنفيذ المشاريع الطويلة والمتوسطة الأجل. وهذا ما يعتبره بعض الوزراء تسهيلاً لعملية إقرار الموازنة في مجلس الوزراء.
4- على الصعيد الضريبي، يجري البحث بأن تكون الموازنة خالية من التعديلات الضريبية الواردة مع الاكتفاء بضريبة واحدة، وتعديل الضريبة على القيمة المضافة على الكماليات ورفعها من 10 إلى 15 في المئة على السلع الكمالية، مع توسيع سلة السلع الاستهلاكية المعفاة من الضريبة على القيمة المضافة، والتي يجب أن لا تزيد الضريبة عليها عن الـ10 في المئة المعمول بها حالياً. وعلم في هذا الإطار أن عدة سيناريوهات وضعت من أجل تعديل الضريبة على القيمة المضافة، بحيث تكون معدلاتها بين 10 وحتى 15 في المئة، من دون انعكاسها على المستهلك صاحب الدخل المحدود وعلى السلع الغذائية والاستهلاكية الأساسية.
5- بالنسبة لموضوع التعديل الآخر فيتعلق بزيادة ضريبة الفوائد المصرفية من 5 الى 7 في المئة، وهو أمر ما زالت المصارف ترفضه، حسب تأكيدات مصادر اللجنة المشتركة، كما يرفض التجار والصناعيون الضرائب الأخرى على الأرباح والعائدات، ويطالبون بمزيد من الإعفاءات للصناعة والتجارة. لقد بات الخيار اليوم في حصر مناقشة زيادة الإيرادات بين ضريبة القيمة المضافة والعائدات على الفوائد المصرفية من دون سواها.
6- نقطة أخرى، وهي سحب موضوع كلفة سلسة الرتب والرواتب من مشروع موازنة العام 2012، وبحثها وإقرارها بموجب مشروع قانون منفصل، وبالتالي فإن كلفة سلسلة الرتب والرواتب لن تكون ضمن نفقات الموازنة العامة بل بموجب قانون منفصل نظراً لسرعة المطالبة من قبل المعلمين والأجهزة الأمنية والعسكرية وموظفي الإدارة العامة. وعلمت «السفير» في هذا الإطار أن اللجنة الوزارية المكلفة دراسة سلسلة الرتب والرواتب، التي ستجتمع اليوم في السرايا الحكومية، قررت تقريب موعد اجتماعها من الرابعة إلى الثالثة من بعد الظهر، بسبب ارتباط الوزراء بجلسة مجلس الوزراء المقررة في القصر الجمهوري.
^^ مشاكل بالجملة ولا حلول بالمفرق
كل ذلك يجري في الوقت الذي تعيش البلاد حزمة من أسوأ الأزمات الحياتية والتقديمات لا تحصى ولا تعد.
هناك مراحل تقنين الكهرباء، وهي الاصعب في تاريخ لبنان، حيث القطع يطاول أكثر المناطق أو معظمها لأكثر من 16 إلى 18 ساعة يومياً نتيجة الأعطال في معامل الكهرباء، من الجية إلى الذوق ومعملي الزهراني والبداوي، من دون أمل قريب بالتحسن الملموس على مدى الاسابيع المقبلة نظراً للتفاوت الكبير بين طاقة الإنتاج المقدرة بـ1200 ميغاوات في أحسن الظروف، وحاجة الاستهلاك المقدرة صيفاً بحوالي 2600 ميغاوات.
إلى ذلك يضاف عنصر تحرك المياومين الذي ينذر بتعطيل ما تبقى من مرافق المؤسسة، لعدم حل مشكلة تثبيت العمال والخلافات السياسية المستمرة والمتصاعدة حوله.
الموضوع ليس بسبب نقص الفيول أويل أو المازوت كما حاول البعض طرح المشكلة للتخفيف، وإنما تندرج الأمور ضمن الضغوط والصراع السياسي المستمر حول الكهرباء وتلزيمات بواخرها وتنفيعات معاملها، وبينها إضراب العمال والمياومين وأثرهم على الخدمات والجباية في الكهرباء.
إلى ذلك، هناك أزمة قطع الطرق المتواصلة التي تنعكس أمنياً واقتصادياً على القطاعات الأساسية، لا سيما السياحة والتجارة والصناعة، التي تجهد لتسويق منتجاتها في ظل الأزمة السورية وانعكاساتها على المنتجات اللبنانية.
أما الأزمة المالية الفعلية فتقع في موضوع مصادر التمويل لحاجات الخزينة، في ظل الضغوط الأميركية على القطاع المالي اللبناني وسعي المجموعات الخارجية، الصهيونية منها، الى الدعوة إلى عدم حمل الأوراق والسندات اللبنانية، تحت شعار محاربة مكافحة تبييض الأموال والإرهاب لحساب حزب الله وسوريا وإيران. ناهيك عن التهديد المستمر للقطاع المصرفي اللبناني، الذي يتعرض لضغوط بين الحين والآخر تحت عناوين مختلقة ومختلفة بهدف زعزعة الاستقرار.
كل ذلك وسط خلافات سياسية تصرف الحكومة والدولة اللبنانية عن التركيز على المعالجات التي تحد من حال الشلل وعدم الاستقرار في البلاد، وفي غياب موازنة وتدابير توحي بوجود الدولة القادرة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك