لبنان، لا فقط المجلس النيابي، يحتاج الى صدمة قوية لاستعادة الوعي الوطني وربما لتأسيسه عملياً. فنحن في مسار انحداري خطر وخطير. وما اندفعنا فيه أخطر مما كنّا عليه قبل الحرب وحتى خلالها. وما كان يسمّيه ميشال شيحا الالتباس الخلاّق أو سوء التفاهم المتّفق عليه انتقده كثيرون مطالبين ببناء الوطن على الوضوح، لا على الالتباس، صار بالممارسة وضوحاً مخرباً وخلافاً على الأساسيات، قبل التفاصيل والفروع، ومباراة في الخلط بين الميثاق الوطني وبين صيغة الحكم.
ذلك ان الوجه الداخلي للحرب التي تعدّدت وجوهها المحلية والعربية والاقليمية والدولية وتنوّعت الأهداف من وظيفتها ودورها، كان الاعتراض على الغبن في ادارة الصيغة، لا على الميثاق، وان ظهرت نزعات للتخلص منه. وما فعله اتفاق الطائف، هو تجديد الميثاق وتصحيح الصيغة. لكن ما حدث بالممارسة من تجاهل لروح الطائف وتطبيق سيّئ لبعض النص وتجاهل لبعضه الآخر قاد الى ما يهدّد الميثاق ويجعل الصيغة عنوان صراع على السلطة في أزمة دائمة. لا بل أدى الى جعل الميثاق الثابت متغيّراً والصيغة المتحركة ثابتة. وبدل الانتقال من الصراع الطائفي الى المواطنة والوحدة الوطنية عبر التجاوز الهادئ للطائفية، انتقلنا الى الصراع المذهبي الذي يهدد بالفتنة والى سياسة العصبيات المتوترة بدل سياسة المصالح والحقوق.
والكل يعرف أن تراكمات كثيرة في ادارة اللعبة السياسية وصراع الأدوارعلى حساب الدور المسيحي هي التي دفعت النواب المسيحيين المختلفين على أمور عدة والمنقسمين بين قوى ٨ و١٤ آذار الى مقاطعة الجلسة النيابية، بصرف النظر عن الموضوع الذي كان السبب المباشر. فلا هم دعاة مقاطعة وقطع طرق بالدواليب. ولا هم خرجوا على اللعبة الديمقراطية بل طالبوا بتحسينها عبر الصدمة التي أحدثوها. ولا كان من المفاجآت أن يقرر رئيس المجلس نبيه بري رفع الجلسة فوراً، لفقدان الميثاقية، لا النصاب القانوني.
وليس أهم من اعادة الاعتبار الى مفهوم الميثاقية سوى الانتقال بالمفهوم من اجراء سلبي بالاضطرار الى اجراءات ايجابية بالخيار. ففي الصيغة مشكلة. وفي ممارسة السلطة والصراع عليها مشكلة أكبر. والحل يبدأ من التمسك بالميثاق الذي لا عاصم للبلد أهم منه. واذا كانت الطوائف مارست حق الفيتو أكثر من مرة في ظروف معينة، فان الأصل في الحياة السياسية الوطنية ليس الفيتو بل العمل الوفاقي الميثاقي والعيش المشترك بالمعنى السياسي، لا البيولوجي أو الاجتماعي والاقتصادي. العيش المشترك من دون هيمنة ولا تسلط، ولا تكرار للمحاولات الفاشلة التي دفعت طوائف في مراحل الى أوهام الغاء الآخر أو أوهام الانتصار الفئوي على البلد.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك