على عتبة انفلات أمني غير مسبوق يشهده لبنان، قد تشكل استعادة هيبة المؤسسات الأمنية والعسكرية على الارض رادعاً لبعض المخلين للالتزام بالقواعد القانونية، ولكن ما هي المعجزات التي تنتظرها الدولة من هذا الشهر الأمني لا سيما وأن الشعب اللبناني قسّم نفسه الى كانتونات أمنية تطبق قوانينها الخاصة في ظل لعبة «الأمن بالتراضي» التي انتهجها الاحزاب والسياسيون منذ زمن بعيد، ولعل المؤسف في تعاطي الدولة مع الأزمات الامنية المتنقلة رضوخها معظم الأحيان للابتزازات السياسية والمذهبية خوفاً من إشعال فتيل الفتنة، واستسهال المواطنين طريقة العبث بالأمن تحت ذرائع مختلفة سواءا محقة أو غير محقة لتطبيق هذه المنهجية في التعاطي.
الحلقة المفقودة التي تمنع نجاح الخطة الأمنية ليست في استمرارعمليات قطع الطرق واشعال الدواليب بل في حتمية مذهبة أي ردة فعل للقوى الأمنية على الارض واستخدامها ضد الدولة من خلال تحويل المخلين بالأمن من مواطنين لبنانيين الى أبطال حزبيين ومناطقيين، ولعل السؤال اليوم بات عن أي دولة يتكلمون، وأي لبنان تريد هذه الدولة طالما أن حكومتها ووزراءها ونوابها باتوا رهينة لشوارعهم ومطالبها ليس لشيء بل للمحافظة على أصوات ناخبيهم وبالتالي تحول ولاؤهم من الوطن الى الشارع ليكونوا بذلك اليد الخفية التي ستطلق رصاصة الرحمة على أية خطة أمنية متى اقتضت الحاجة.
وعليه فإنه لم يعد مثيراً للاستغراب أن يترافق بدء الشهر الأمني مع خروقات جوهرية بدأت من بيروت ووصلت الى بوابة الجنوب، حيث شكل قطع أحمد الاسير ومن معه لطرق صيدا انتهاكاً فاضحاً لحرمة هذا الشهر ولهيبة الدولة المضطرة مجدداً الى مساومته ومقاربة مطالبه بطريقة هادئة جداً جداً خوفاً من الفتنة علماً أنه يحق لها لمرة واحدة في شهرها أن تطبق القانون بشكل صحيح دون استجداء رضى أي طرف مهما كانت النتيجة.
كما انه قد يكون ما أغفلته الطبقة السياسية خلال صولاتها وجولاتها لاسترضاء المخلين بالأمن على كافة أنواعهم وأشكالهم وانتماءاتهم من الشمال الى الجنوب وبيروت تحت شعار «الخوف من الفتنة» وعلى حد قول متابع سياسي بارز هو تحوّل لبنان الى «عصفورية» فيها الكثير من المجانين ممن باتوا يعتبرون أنفسهم فوق الدولة والقانون على غرار الأسير مثلاً ، فالرجل شخص يتصرف خارج المنطق ويطالب باللامعقول من خلال اشتراطه تسليم سلاح «حزب الله» لفك اعتصامه، وجلّ همه أن يصبح الرجل السني الأول في لبنان ولا مانع لديه من ان يعتقل ويهان لتحقيق هذه الغاية.
وعليه لا أحد يعلم الى أين يمكن أن تؤدي بالأسير هذه الغاية، علماً أن وزير الداخلية والبلديات مروان شربل بدا متفائلا جداً باقناع الأسير بفك الاعتصام وأشار والكلام له «انشالله» سنصل الى نتيجة ايجابية مع الاسير، نحن مررنا بظروف سابقة مشابهة ولدينا الخبرة الكافية في هذا المجال، كما أن قضية السلاح أضاف شربل لا يمكن أن تعالج على الأرض أو بقطع الطرقات بل على طاولة الحوار بين كافة الأفرقاء اللبنانيين.
وفيما لفت الوزير المعني لصحيفة "اللواء" الى أنه باستطاعة الجيش اللبناني أن يفك الاعتصام بالقوة اذا اراد الا اننا أضاف شربل قد نخلق مشكلة تستخدم طائفياً ومذهبياً وحينها بدل أن نكون بموضوع الأسير نصبح بلبنان كله، قائلاً: نحن نعالج الموضوع بهدوء وروية مثلما عالجنا مواضيع اخرى حتى لا يقال لنا اننا تساهلنا مع البعض وضربنا البعض الآخر «فنحن نتعامل مع الجميع بسواسية».
لكن هل رفع الغطاء الأمني كاف لاستتباب الأمن؟
أجاب وزير الداخلية بأن الأجهزة الأمنية تقوم بواجباتها والأحزاب السياسية رفعت الغطاء عن من «يخصها»، مضيفاً: نحن انتقلنا لمرحلة ثانية من تطبيق الخطة الامنية ونريد ان نعرف هل هناك دولة او لا؟
وختم شربل بالقول : باختصار نحن نحاول معالجة كافة الامور بهدوء وروية ، والقيام بأي عمل غير مدروس في ظل الاحتقان القائم والأزمة في سوريا قد ينعكس سلباً علينا ونحن لا نريد ذلك.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك