قيل انّ «حزب الله» يعيش حالة من «القرف» جرّاء النزاعات الدائرة بين حلفائه والتي حالت دون الولادة الحكومية. وهذه النزاعات لا علاقة لها بالمشاريع السياسية طالما أنها حاصلة بين أبناء البيت الواحد، بل انها ترتكز الى المصالح والحصص وتعزيز الاحجام من دون الأخذ في الاعتبار الزلزال الاقتصادي والمالي الذي يضرب لبنان، وانفجار غضب الناس في الشوارع والمستمر منذ أكثر من ثلاثة أشهر.
عندما فاز «حزب الله» وحلفاؤه في الانتخابات النيابية الماضية عبّرت طهران عن فرحها بطرق عدة، ومنها ما ظهر في تصريحات بعض مسؤوليها، فيما بدت العواصم الغربية كما الخليجية غير مرحّبة بهذه النتيجة.
كان اللوم على قبول الرئيس سعد الحريري بقانون الانتخابات، والذي جاء بعد وصول حليف «حزب الله» العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية. لكن لبنان كان يسير بسرعة في اتجاه الهوة الاقتصادية وهو ما لم تلتفت اليه قوى السلطة، لا بل على العكس استمر الانفاق المُلتبس في الموازنات، واستمرت الحكومة في سياستها التي ترتكز على تقاسم المغانم وتخفي في مطاويها فساداً وقحاً.
صحيح انّ الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله دعا الى البدء بمحاربة الفساد، لكنّ صرخته ذهبت مع الريح حتى انفجر الشارع في 17 تشرين الاول الماضي آخذاً في دربه كل الطبقة السياسية الحاكمة.
وخلال إجازة الاعياد، والتي أمضاها الرئيس سعد الحريري في باريس، تسنى له عقد لقاءات مع مسؤولين فرنسيين تم خلالها تقييم الاوضاع في لبنان والمرحلة السابقة، وقيل انه تم توجيه الملامة له بسبب الاخطاء السياسية القاتلة التي تخللت أسلوبه في السلطة.
في الواقع إنّ باريس تنتهج سياسة مختلفة عن السياسة الاميركية، تستمر في تعاطيها مع الملف اللبناني في إطار رعاية مصالحها في المنطقة وحيث ما يزال لبنان يشكل نقطة ارتكاز لحضورها في الشرق الاوسط.
وبخلاف واشنطن فإنّ باريس، ولو انها لم تكن مرحّبة بالتوازنات التي رَست عليها الانتخابات النيابية الاخيرة، إلّا أنها بقيت على تواصل مباشر مع «حزب الله» من خلال سفارتها في بيروت، على رغم من العقوبات الاميركية المتتالية والحصار المفروض عليه. لا بل انّ باريس حضرت ورَعت مؤتمر «سيدر» الذي جمع بين إعادة تركيز بنية تحتية للبلد وإطلاق مشاريع تساعد على إعادة تحريك العجلة الاقتصادية، والحذر من الوثوق بالقوى المشاركة في السلطة وسلوكها الذي يعشعش فيه الفساد، ما أدى الى «نهب» الاموال التي منحت للبنان في المؤتمرات الدولية السابقة.
لكن تأليف حكومة ما بعد الانتخابات النيابية وطريقة عملها ضاعَف من قلق الفرنسيين وشكوكهم حول «التحايل» اللبناني لتأمين العمولات وإبقاء ابواب الفساد مشرّعة.
ومع اندلاع انتفاضة 17 تشرين الاول بَدا أنّ الفجوة أصبحت هائلة بين الشارع والطبقة السياسية الحاكمة، وأنه بات من الصعوبة بمكان إعادة ترميمها.
وما زاد من انعدام ثقة الناس بالطبقة السياسية النزاعات والمناكفات التي استمرت على رغم الواقع الشعبي المنتفِض وفوق المآسي المالية وكوارث المصارف والوضع النقدي. وهذا ما ساد طوال المرحلة التي سبقت تكليف حسان دياب تشكيل الحكومة الجديدة، وما ظهر في وضوح اكثر في مرحلة تشكيل الحكومة.
بَدا لـ«حزب الله» انّ نزاعات الاحجام والحصص أقوى من قدرته على ضبطها، وهو الذي ينظر بكثير من التوجّس من الآتي حيال الوضع الاجتماعي وتوسّع دائرة الفقر والجوع، هو يدرك أنّ بيئته ليست معزولة وانّ حضوره السياسي سيتضرر.
وربما يكون لسليمان فرنجية ايضاً هذه الحسابات مفضّلاً الابتعاد عن حكومة اليد الطولى فيها لجبران باسيل، ما سيضعها في مواجهة شارع غاضب، لم يعد في الامكان استعادة ثقته.
باريس كانت قد أبلغت الى المسؤولين اللبنانيين انها ستحكم على الحكومة اللبنانية الجديدة من خلال سلوكها وافعالها والاصلاحات المطلوبة.
وتردد انّ العاصمة الفرنسية ستدفع بالبنك الاوروبي والمؤسسات المتفرّعة منه الى الاجتماع بالحكومة الجديدة للحد من الانهيار الاقتصادي الحاصل. ولكن لهذا الامر شروطه، وأوّلها تنفيذ الاصلاحات وإجراء تلزيمات شفافة بدءاً من ملف الكهرباء. فهنالك كثير من علامات الاستفهام حيال عدم البدء ببناء معامل إنتاج الكهرباء وسط أعذار غير مقنعة، إضافة الى الاصرار على رفض سماع أي عروض من شركات عالمية في مقابل التمسّك بحلول البواخر للطاقة المؤقتة. لذلك، سيستمع المسؤولون الاوروبيون حول ما اذا كان هنالك خطة حقيقية للكهرباء تعتمد على مشاريع شفافة للشركات العالمية، ووقف كل أشكال الفساد بما فيها ما يحكى عن عمولات سنوية ببضع مئات ملايين الدولارات.
كذلك سيستمع هؤلاء المسؤولون حول الدور الجدي الذي من المفترض أن تتولّاه وزارة البيئة مثلما ورد في مشاريع «سيدر»، لا كما كان بادياً في الحكومة السابقة لجهة تغليب وجهة النظر الشخصية على المعايير العلمية الدقيقة.
مهمة حكومة حسان دياب لن تكون سهلة. فالشارع لم يتقبّل مسبقاً طريقة تركيبها، والتي حصلت على اساس المصالحة وتوزير وكلاء عن الرموز السياسية التي أسقطها الشارع في الحكومة السابقة. لذلك ينظر اليها الجميع على انها حكومة انتقالية، وانّ قدرة صمودها ترتكز على تجاوب الاوروبيين معها وفتح ابواب التعاون الاقتصادي.
ولكن لهذا الامر شروطه، أوّلها وضع أنانية القوى السياسية جانباً والاعتراف بأنّ لبنان دخل حقبة جديدة منذ 17 تشرين الاول، وأنّ الذهنية السابقة يجب ان تذهب الى غير رجعة، لا قولاً فقط بل فعلاً ايضاً. لكن الجديد أنّ تشكيل الحكومة عاد إلى المربّع الأوّل.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك