خيّم الهدوء الحذر على وسط بيروت عقب ليلة أول من أمس التي شهدت مواجهات وصفت بالأكثر عنفاً بين المتظاهرين والقوى الأمنية، وذلك في اليوم الخامس لما أطلق عليه المحتجون «أسبوع الغضب».
وفيما كانت الدعوات مستمرة للتظاهر بعد ظهر أمس كان الناشطون يتفقدون ساحات تجمعاتهم، حيث احترق عدد من الخيم ولم يبق في داخلها إلا بقايا من أغراضهم التي اعتادوا على تركها في الداخل، ومنها الأوراق الثبوتية وهواتف وغيرها. لكنهم وبالحماسة نفسها أعادوا نصب الخيم، مؤكدين على المضي قدماً في تحركاتهم رغم الطقس الماطر حتى تحقيق المطالب، رافضين العنف الذي تعرضوا له من قبل القوى الأمنية والذي نتج عنه سقوط عشرات المصابين والموقوفين الذين تم إطلاق سراح معظمهم لاحقاً.
وقال المحامي في «المرصد الشعبي لمحاربة الفساد» علي عباس لـ«الشرق الأوسط» إن «ما حصل في وسط بيروت ينتهك حقوق الإنسان والقوانين الدولية، وتحديداً استخدام الرصاص المطاطي على الرأس، والذي لا يفترض أن تستخدمه الشرطة إلا في حال الخطر الشديد على الحياة. وحتى في حالة هذا الخطر يُطلق الرصاص المطاطي على الأرجل. لكن توجيه الرصاص إلى الرأس تسبب في إصابة الشاب عبد الرحمن جابر، البالغ 18 عاماً، وفقدانه عينه. كذلك أطلقت القوى الأمنية القنابل المسيلة للدموع على المحتجين ومن مسافة قريبة، في حين يجب أن تطلقها في الهواء. والتجاوز الثاني هو تعرض الموقوفين إلى الضرب على يد الأجهزة الأمنية التي كانت تمنع معاينة الطبيب الشرعي لمن تضربه، وتدعي أن ما به من كدمات هي نتيجة العراك في الشارع. والأهم أن معظم المصابين ضُرِبوا من الخلف على رؤوسهم، وهم يحاولون الهرب من عنف الأجهزة الأمنية حيالهم. كما تعرضوا إلى رشق بالحجارة من هذه القوى. فالواضح أن من تم الاعتداء عليهم وتوقيفهم لم يقوموا بأعمال الشغب، لأن هؤلاء لديهم القدرة على المواجهة أو الهرب».
وينفي عباس ما يتم ترويجه عن «مندسين» و«مأجورين» لتبرير ما حصل قائلا: «يصعب ضبط الشارع بعد ثلاثة أشهر من التظاهر، فهناك بعض المتظاهرين الذين لا يستطيعون البقاء سلميين لدى استفزازهم، فيتحمسون ويواجهون منعهم وقمعهم، ولا يهتمون بالعواقب». وأضاف «رافقت المتظاهرين من منطقة البربير إلى وسط بيروت. وكانوا شرائح واسعة وجامعة لأطياف المجتمع اللبناني، كسروا كل الانتماءات الطائفية والولاءات للزعماء. ونشكر الله على عدم سقوط قتلى لأن الشارع لا يحتمل مثل هذا التطور المأساوي».
وحذر عباس من الأسلوب القمعي للقوى الأمنية، قائلا: «ما حصل أمس من عنف من قبل بعض الأجهزة الأمنية، وتحديداً شرطة مجلس النواب، يظهر أن بعض هذه القوى لا تزال تتصرف كميليشيا تحمي زعيمها وتحتمي به. فحرقوا الخيم في الساحات، وكادوا أن يتسببوا في كوارث، ولم يتورعوا عن نفي ما ارتكبوه رغم الفيديوهات التي توثق ذلك. في حين حرص شرطيون آخرون على الالتزام بعدم الاعتداء على المتظاهرين. ونحن كمحامين بصدد تحضير دعاوى قضائية شخصية على كل من يظهره التحقيق مسؤولاً عن الأذى الذي تعرض له المتظاهرون أول من أمس، وربما تطال هذه الدعاوى المسؤولين الأمنيين والسياسيين الذين أعطوا الأوامر والعناصر التي ارتكبت هذه الاعتداءات، لأن الكاميرات صورت ما جرى وكل المعطيات واضحة». كما حذر من «تنفيذ أجندة سرية لشيطنة الثورة وتحويل وسط بيروت إلى منطقة عسكرية. لأن عواقب مثل هذه الأجندة ستكون خطيرة، لا سيما مع استمرار الأزمة الاقتصادية.
وفي شوارع الوسط التجاري كانت أيضاً آثار المعركة واضحة، مثل تحطيم واجهات عدد من المباني وبعض مراكز السحب الآلي لبعض المصارف. ووفق المصادر الطبية فقد وصلت حصيلة اشتباكات أول من أمس إلى 266 مصاباً في صفوف المتظاهرين و134 جريحاً من عناصر القوى الأمنية بعدما كان قد تحول محيط ساحة النجمة، حيث يقع مجلس النواب، إلى ساحة شبيهة بالحرب. وكانت الاشتباكات قد استمرت ساعات طويلة منذ بعد ظهر السبت وحتى وقت متأخر من الليل، وشملت محيط مجلس النواب وساحتي الشهداء ورياض الصلح، وقامت مجموعات من القوى الأمنية بإحراق خيم الاعتصام، كما بينت الفيديوهات المتداولة على وسائط التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي نفته قوى الأمن، قبل أن يعلن المدير العام اللواء عماد عثمان أمراً بفتح تحقيق بالحادث، وسيتم توقيف أي عنصر اعتدى على الموقوفين».
كما هاجمت مجموعات من المتظاهرين جمعية المصارف وحطمت واجهاتها الزجاجية. وتبادل المتظاهرون والقوى الأمنية التراشق بالمفرقعات النارية والحجارة والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي.
وشكل مسجد محمد الأمين قبالة ساحة الشهداء ملجأ للمتظاهرين الهاربين من العنف والضرب، كما تحول مقر حزب الكتائب اللبنانية في منطقة الصيفي، على بعد أمتار من الوسط، إلى مستشفى ميداني استخدمته منظمة «الصليب الأحمر اللبناني» لمعالجة المصابين. وبعد توقيف نحو 34 متظاهراً، أعطى المدعي العام التمييزي، القاضي غسان عويدات «إشارة إلى الجهات المعنية بالإفراج عن موقوفي الأحداث التي وقعت في وسط العاصمة، باستثناء من في حقّه مذكرات قضائية بجرائم أخرى».
كما أنشأ نقيب المحامين، ملحم خلف، غرفة عمليات لمتابعة أوضاع الموقوفين. وطالب بتحقيق فوري بما وصفه بـ«اعتداء سافر من القوى الأمنية»، داعياً «المتظاهرين إلى عدم الاعتداء على القوى الأمنية والممتلكات العامة». وكانت وزيرة الداخلية، ريا الحسن، قد غردت منتقدة «تحول المظاهرات إلى اعتداء سافر على عناصر قوى الأمن والممتلكات العامة والخاصة».
من جانبه، قال الناشط فاروق يعقوب لـ«الشرق الأوسط» إن «قطع الطرق هو إحدى الوسائل الناجحة للضغط على السلطة حتى تسارع إلى القيام بواجباتها. وقد قررت جماعات الحراك الشعبي القيام بسلسلة تحركات تزعج هذه السلطة. ومهما حاولوا ردع المنتفضين لن ينجحوا. وسنكمل». وأضاف أن «الزخم في المشهد له دلالاته والزخم متكامل. وهدف التحرك هو الضغط على من تسبب بالأزمة ليحلها عبر تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين غير سياسيين، ويضعوا خطة إصلاح لإنقاذ البلد. هم جزء من المشكلة وليس الثوار. وعليهم أن يجدوا الخطة الإنقاذية».
كما قال الناشط والأستاذ الجامعي بهجت سلامة لـ«الشرق الأوسط» إن «كل الكلام عن انتهاء الثورة والاتهامات لها بأنها المسؤولة عن الانهيار الأمني لم يعد ينفع. فهم فرضوا حسان دياب لتشكيل الحكومة، وهم يعرقلون كل ما يقوم به. وهذه مهزلة بحد ذاتها». ويشير سلامة إلى أن «التحركات تتحدد كل يوم ليعود الجميع إلى الساحات وتحديداً في ساحتي الشهداء والنجمة قرب مبنى مجلس النواب. وبعد أكثر من ثلاثة أشهر على التحركات الشعبية اكتمل الوعي بضرورة التنبه إلى جملة نقاط، منها جر الثورة إلى الطائفية، وتسلل حماة السلطة إلى هذه التحركات لتخويف الناس، وأخيراً التشديد على أن زخم التحرك ليس المؤشر الوحيد على استمرارية هذه الثورة. فالعودة إلى ما قبل 17 تشرين الأول الماضي مستحيلة. ولا بد من تغيير هذه الطبقة السياسية الفاسدة لإنقاذ لبنان».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك