جاء في جريدة الأنباء الالكترونية:
يكاد يكون التصعيد الإسرائيلي في جنوب لبنان هو الأعنف منذ الهدوء النسبي الذي خيّم على الحرب بعد رد "حزب الله" والانتهاء من حرب "الردود والردود المضادة"، فوتيرة القصف غير المسبوقة والتي طالت العمق اللبناني في صيدا والهرمل ليل السبت الأحد، والمناشير التي ألقاها الجيش الإسرائيلي والذي يطلب من الجنوبيين النزوح شمالاً تعكس حالة التوتر الشديد.
كلما اقتربت حرب غزّة من نهايتها كلما زاد منسوب الخطر على لبنان، وفق ما يرى مراقبون، لأن إسرائيل عندها تكون قد تفرّغت لحربها مع "حزب الله" وانتهت من الهم العسكري مع "حماس"، وقد تكون التحضيرات التي تُجريها إسرائيل "لإعادة سكّان الشمال" إلى مستوطناتهم إشارات إلى أن ساعة الحسم تقترب.
قد لا تعني ساعة الحسم أن الحرب الشاملة واقعة لا محال، لكن انتقال مركز التركيز الإسرائيلي من الجنوب إلى الشمال سيعني أن لبنان سيُصبح الجبهة الرئيسية، وستكون الضربات أقسى مما هي عليه اليوم لتغيير الواقع الأمني الحدودي، لكن لا ضمانات مؤكّدة أن الحرب ستبقى تحت سقوف الضبط ولا تخرج عن سياقها فتُصبح أوسع وأخطر.
الجهود الديبلوماسية للتخفيف من حدّة التوتر عادت للتكثّف من جديد، والولايات المتحدة تنشط على هذا الخط لتفادي الانزلاق إلى المستنقع الذي تُريد إسرائيل جر المنطقة إليه، وهو الاشتباك الإقليمي، لأن للولايات المتحدة ما يكفي للانشغال به في الفترة المقبلة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية وتركيز الإدارة الحالية كافة الجهود على إنجاز الاستحقاق وتحصين موقع الديمقراطيين.
وعاد الموفد الأميركي آموس هوكستين ليقود هذه المساعي، وستكون إسرائيل محطّة انطلاقاً من أن الجميع بات يعرف أن زمام التصعيد والتهدئة باتت بيد تل أبيب، لكن ينطلق هوكشتاين من النقطة نفسها التي انطلق منها مراراً، وهي العودة إلى قواعد الاشتباك التي تم أرساؤها بعد 7 أكتوبر وقبل حادثة مجدل شمس، أي استهداف المواقع العسكرية فقط.
لكن إسرائيل لا يبدو أنها في هذا الوارد، وليست في وارد التهدئة على أي حال، وهذا ما يُثبته إفشالها مساعي وقف إطلاق النار في غزّة والتهدئة في الجنوب أو ضد إيران، وما يُثبته أيضاً التصعيد في لبنان وسوريا مع تنفيذ عمليات نوعية ضد القوات الإيرانية هناك، واستفزاز الحرس الثوري الذي لا يزال يحتفظ بحق الرد على اغتيال القيادي اسماعيل هنية.
إلى ذلك، فإن تطوراً خطيراً طرأ يوم الأحد مع استهداف الحوثيين العمق الإسرائيلي من جديد بصاروخ بالستي أصاب تسعة أشخاص، وقد توعّد الحوثيون إسرائيل بعمليات نوعية أخرى، فيما هدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وتوعّد "بتدفيعهم الثمن"، مذكراً بقصف ميناء الحديدة وتدميره قبل أسابيع.
وسبق للحوثيين أن قصفوا الداخل الإسرائيلي، لكن الرد جاء سريعاً عبر غارات استهدفت ميناء الحديدة وأدّت إلى تدمير جزء كبير منه واحتراق مخازن وقود قبل أسابيع، فيما التحالف الأميركي – البريطاني يقصف مناطق الحوثيين بشكل دوري لمنعهم من التصعيد ضد إسرائيل.
إذاً، فإن المنطقة على فوهة بركان، والتصعيد اليوم هو الأخطر منذ حادثة مجدل شمس واغتيال قائد "حزب الله" العسكري فؤاد شكر، والنوايا الإسرائيلية الحربية لا تشي بأن ثمّة مكاناً للتهدئة، لا بل على العكس، كل الإشارات توحي بأن حرب الاستنزاف ستكون طويلة، وقد تكون أقسى مع تقدّم الوقت.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك