كتبت دوللي بشعلاني في "الديار":
يتحرّك سفراء "الخماسية" بعد اجتماعهم المتوقّع مطلع الأسبوع المقبل في اتجاه القوى السياسية، لإعادة تحريك الملف الرئاسي. ويأتي تحرّكهم بعد اللقاء الذي جمع الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في الرياض مع مستشار الديوان الملكي نزار العَلولا، المكلّف بالملف اللبناني في الإدارة السعودية، في حضور السفير السعودي في لبنان وليد البخاري. وسينقل البخاري تفاصيل هذا الإجتماع لسفراء "الخماسية" الآخرين خلال اللقاء المرتقب، والذي سيتمّ تحديده بشكل نهائي بعد عودة بعضهم من العطلة الصيفية في الخارج. ويهدف التحرّك الى إعادة البحث في الملف الرئاسي الذي توقّفت المناقشة فيه، مع تقدّم المواجهات العسكرية عند الجبهة الجنوبية خلال الفترة الماضية، على ما عداها من الأحداث الداخلية.
تقول مصادر سياسية مطّلعة في هذا السياق إنّ من يريد فعلاً إنتخاب رئيس الجمهورية قبل الإنتخابات الرئاسية الأميركية المرتقبة في 5 تشرين الثاني المقبل، عليه تقديم آلية ناجعة لعملية الإنتخاب. وشجّعت المصادر على التحاور، سيما وأنّ الحوار أو التشاور في مجلس النوّاب يُثير الحساسية لدى البعض، مشيرة الى أنّه يُمكن أن يحصل بين الأطراف السياسية بشكل غير رسمي، وليس بالضرورة عقد جلسة تشاورية في مجلس النوّاب لأنّ الخلاف سيبقى قائماً على "مَن سيرأسها، وكم من الأيام ستدوم".
المهم إيجاد شكل مختلف لتحاور الأطراف في ما بينها، تضيف المصادر، سيما إذا كان هذا الأمر يُطمئن الذين يخشون من تحوّله الى عُرف يُعتمد قبل كلّ إستحقاق رئاسي لاحق. فان تحاور القوى السياسية في ما بينها هو أمر أساسي، لكي تتوصّل الى توافق ما على آلية الإنتخاب، من ضمن ما ينصّ عليه الدستور اللبناني، وتكون مقبولة من جميع الأطراف. ولا بدّ أن يتمّ بحث هذا الأمر مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، فإذا وافق عليه يسير السفراء به في اتجاه بقية الأفرقاء.
وإذا كانت بعض القوى أو الكتل النيابية لا تزال ترفض إجراء اللقاءات الثنائية أو الثلاثية، على ما أوضحت المصادر، يُمكن لسفراء "الخماسية" الذين سيجتمعون قريباً، أن يلعبوا دور "الوسطاء" بين هذه القيادات... إذا لم يكن الخمسة معاً، فيُمكن لكلّ سفير (أو أكثر) زيارة الأطراف المقرّبة منه أو من بلده دون سواها. فإذا كانت سفيرة الولايات المتحدة الأميركية ليزا جونسون على سبيل المثال لا تزور ممثلي حزب الله، فبإمكان سفيري مصر وفرنسا أن يُجريا المحادثات معهم. وإذا كان السفير السعودي لا يزور هذه الجهة أو تلك، فالسفراء الآخرون يفعلون. المهم نقل المواقف والرسائل بين الأطراف المعنية توصّلاً الى مخرجٍ ما، سيما إذا كان هناك نوايا وإرادة فعلية للتوجّه الى صناديق الإقتراع لانتخاب الرئيس.
وذكرت المصادر نفسها أنّ ثمّة مقترحات في هذا الشأن لم تتبلور بشكلها النهائي بعد. علماً بأنّ الدول الصديقة للبنان والمعنية بالملف الرئاسي تُشجّع على التحاور في الظروف الراهنة، من دون أن يُصبح هذا الأمر عُرفاً أمام كلّ إستحقاق مقبل. ولهذا من الممكن ألّا يأخذ التشاور الشكل الرسمي والشرعي، إنّما أن يجري للضرورة الذي تقتضيه الظروف الحالية. فمن المهم اليوم السعي من قبل جميع الأطراف من أجل إنهاء الشغور الرئاسي، الذي يُهدّد بشلّ مؤسسات الدولة في حال بقيت الأمور على حالها.
وفي ما يتعلق بخشية البعض من أنّه لا يُمكن انتخاب الرئيس في ظلّ استمرار المواجهات العسكرية في الجبهة الجنوبية، تقول المصادر السياسية إنّ ما يحصل في لبنان والمنطقة هو عامل محفّز لإجراء الإنتخابات الرئاسية في لبنان، ولكي يكون له رئيس في أسرع وقت ممكن. ومَن يُراهن على أنّ حزب الله سيستثمر إنتصاراته في الجنوب في الملف الرئاسي، سيتبيّن له أنّه مخطىء، ولو كان الحزب يُفكّر بمثل هذا الأمر، لكان فعل بعد حرب تمّوز- آب 2006، غير أنّه لم يفعل.
من هنا، فالذرائع التي يُعطيها البعض ليست هي التي تحول دون موافقته على التحاور والذهاب بعده الى مجلس النوّاب لانتخاب الرئيس، على ما أكّدت المصادر ذاتها، بل ربّما انتظار حصول التسوية الإقليمية والدولية، والرِهان على تبدّل الأمور لصالحه، أو على خسارة حزب الله في حربه مع "إسرائيل". في الوقت الذي سيسعى فيه سفراء "الخماسية"، وفق المعلومات، الى التقريب في وجهات النظر بين فريقي الممانعة والمعارضة، وإيجاد أرضية مناسبة يُمكن الإنطلاق منها نحو انتخاب الرئيس.
وتقول المصادر إنّ قوى المعارضة أبدت أخيراً بعض "المرونة" في مسألة التحاور بعيداً عن تحديد مدّة التشاور أو مكانه، أي آليته المنصوص عنها في مبادرتي برّي، ولهذا يُمكن أن يبني السفراء على هذا الأمر، ويطرحوا التحاور بين بعض الأطراف، أو أن يكونوا "الوسطاء" لتجهيز الأرضية، شرط ألّا يُقابَلوا بالرفض أو الفتور من قبل بعض الأحزاب السياسية والكتل النيابية، سيما وأنّهم يؤيّدون ويُشجّعون على أنّ التوافق الداخلي هو عامِل أساسي وضروري للخروج من أزمة الشغور الرئاسي.
وشدّدت المصادر على أنّ لا أحد في الداخل والخارج يريد اليوم المساس بالدستور، أو بتخطّي مواده المتعلّقة بانتخاب الرئيس، بل على العكس يودّ الجميع تنفيذها بحذافيرها، الى حين انتخاب الرئيس الجديد للبلاد الذي سيُقرّر في حينه إذا كان يريد الدعوة الى حوار وطني والى تعديل الدستور أو سوى ذلك.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك