كتب غاصب المختار في "اللواء":
يحمل الكلام الذي نقله الوزير السابق وديع الخازن عن رئيس المجلس النيابي نبيه برّي حول تفضيله "الإجماع النيابي لا الأكثرية فقط لإنتخاب رئيس للجمهورية، وتمسّكه بالمناصفة بين المسيحيين والمسلمين كونها تصب في مصلحة العيش الوطني، وتبعد أي تهميش وإجحاف في حق جميع اللبنانيين"، الكثير من المضامين والأهداف السياسية، لعلّ أبرزها تعزيز المشاركة المسيحية في القرارات الكبرى المصيرية المتعلقة بوضع لبنان ككل، فكيف يكون الأمر بالنسبة لإنتخاب رئيس الجمهورية وهو الرئيس المسيحي والماروني تحديداً الوحيد في المشرق العربي؟
وفي هذا الإطار تأتي دعوات الرئيس برّي الدائمة لتوحيد الموقف المسيحي حول كل القضايا وبخاصة حول انتخاب رئيس للجمهورية، ذلك انه وبحسب مصادر سياسية متابعة، من المستحسن لأي رئيس للبنان أن تكون معه وخلفه قوة مسيحية سياسية داعمة، لا سيما إذا لم تكن لديه كتلة نيابية في المجلس النيابي أو حصة وازنة في الحكومة. فوحدة وقوة الأطراف المسيحية سواء في البرلمان أو في الحكومة تُعطي رئيس الجمهورية قوة تنفيذية لتوجهاته وسياساته العامة، بخاصة ان صلاحياته الدستورية محدودة إلّا في مواضع قليلة، ويمكن بحسب بعض المواد الدستورية في كثير من الأمور تجاوز ما يطلبه أو يسعى إليه الرئيس عبر تقييده بمهل وإقرار ورد القوانين والمراسيم واعادة إصدارها من دون الأخذ برأيه.
وفي هذا الصدد، ترى مصادر مسيحية سياسية، أنّ رئيس الجمهورية إذا كان مستنداً الى موقف مسيحي موحّد عبر إجماع أو شبه إجماع أو توافق مسيحي - مسيحي واسع على انتخابه، يصبح أكثر تمثيلاً في النظام الطائفي اللبناني المعقّد، عدا عن ان التوافق السياسي بين كل الأطراف المسيحية والمسلمة في مثل حالة انتخاب رئيس للبلاد، يُسهّل ويُيسر آلة الحكم، بتسهيل تسمية رئيس للحكومة وتشكيل الحكومة والاتفاق السريع على برنامجها ونيلها ثقة نيابية كبيرة.
وبنظر المصادر ذاتها، فإن الخلاف المسيحي – المسيحي وبالأخصّ بين القوى السياسية المارونية يُضعف رئيس الجمهورية ويكبّل يديه عن الفعل وتحقيق الانجازات، والتجارب والشواهد لا زالت ماثلة أمام الجميع منذ ما بعد اتفاق الطائف، لذلك يبقى الجهد قائمًا وبدعم عربي ودولي لتحقيق هذا التوافق بين المسيحيين أولاً وبينهم وبين المسلمين، من هنا تأتي مواكبة اللجنة الخماسية العربية – الدولية الحثيثة أخيرًا للتوجّه اللبناني الهادف الى تحقيق أكبر قدر ممكن من التوافق عبر الحوار أو التشاور تحت قبة البرلمان بناء لإقتراح بري وتأييد أغلبية نيابية له.
إلّا ان المسعى الداخلي والخارجي ما زال يصطدم برفض بعض قوى المعارضة للآلية المقترحة للتشاور، وبرأي مصادر دبلوماسية في اللجنة الخماسية فإن الخلاف حول شكليات التشاور أو الحوار لا يجب أن يقف حجر عثرة أمام إتمام استحقاق دستوري مهم وحسّاس ومؤثّر في الحياة العامة اللبنانية، وانه لا بد من تجاوز التعقيدات المفتعلة أحياناً وغير المنطقية، طالما ان آلية الحوار أو التشاور ستوصل الى النتيجة ذاتها، وهي التوافق على شخص مرشح رئاسي أو أكثر لتجري على أساس هذا التوافق العملية الانتخابية فإما يتم انتخاب رئيس بالإجماع إذا كان هناك مرشح واحد أو ليفز من يفز من المرشحين. فموقف المعارضة برفض مبادرة بري للحوار والتشاور تفكك وحدة المسيحيين والتفافهم حول الرئيس لدعمه في خطواته.
وفي السياق، لا بد من الإشارة إلى أنّ إنجاز الاستحقاق الرئاسي خلال شهر أيلول بات مطلباً عربياً ودولياً مُلحّاً وليس مطلباً لبنانياً، ذلك ان ما تنامى الى رئيس المجلس وبعض القوى السياسية الأخرى يؤكد استحالة انتخاب رئيس للجمهورية في وقت قريب بعد مضي أيلول، لأسباب كثيرة خارجية أكثر مما هي داخلية تتعلق كما بات معروفاً بدخول أميركا مدار الانتخابات الرئاسية، وتتعلق أيضاً بكيفية إدارة فرنسا للحكم بعد الانتخابات النيابية الأخيرة والتي حصدت فيها المعارضة للرئيس ماكرون أكثرية نيابية موصوفة ترفض توجهات وسياسات الرئيس الفرنسي، وحيث أفيد أمس "أن 81 نائباً فرنسيّاً وقّعوا على اقتراح يطالب بإقالة الرئيس إيمانويل ماكرون من منصبه والبدء بإجراءات عزل رئيس الجمهورية". عدا عن الانشغال الدولي العام بحرب غزة وتوابعها من حروب ومواجهات هنا وهناك من الخليج الى البحر الأحمر.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك