كتب أنطوان الأسمر في "اللواء":
لم يكن مستغرباً التدهور الحاصل عند الحدود اللبنانية- الإسرائيلية وزيادة اسرائيل وتيرة حربها الأمنية ضدّ "حزب الله" عبر الاغتيالات الفردية التي باتت تشكّل العبء الأكبر على كاهل الحزب. بذلك كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يُحضّر زيارته إلى واشنطن. هو كان حريصا على أن يدخل الكونغرس الأميركي ممسكا في يده بكل ما يملك من أوراق قوة في غزة كما في لبنان والحديدة في اليمن، بغية استخدامها في صراعه السياسي المفتوح مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ولتحقيق نصر سياسي لا لبس فيه ضد معارضيه في الداخل الإسرائيلي.
بالفعل، أرست زيارة نتنياهو إلى واشنطن محطة استشعار لما هو آتٍ، في غزة ولاحقا في لبنان، خصوصا إذا قرّر تحويل محطته الأميركية من مجرّد زيارة روتينية إلى مرتكز ومنصة سلاح للمرحلة الثالثة من الحرب في غزة، وربما منصة كذلك لحرب محدّثة مع حزب الله، قد تتحوّل في أي لحظة إلى حرب شاملة.
نجح نتنياهو في التخفيف من تأثير ضعط واشنطن عليه، وهي التي تجهد لفرض تسوية في غزة تقود وفق ما تبغيه إلى تهدئة في الجنوب تبعد شبح توسّع الحرب في الإقليم. وشكّل خطابه أمام مجلسيّ النواب والشيوخ متغيّرا سيترك حُكما تأثيره الإسرائيلي البائن في المنطقة في حال فاز الجمهوريون في الرئاسة. ورسم في الوقت عينه معالم اليوم التالي لانتهاء الحرب حيث غزة منزوعة السلاح. كما جعل من إيران هدفه الرئيسي بوصفها العدو الأول و«محور الإرهاب». هذه الإشارة تُنبئ بوجهة نتنياهو المقبلة باعتبار أن المعركة مع حماس وحزب الله والحوثيين هي في حقيقة الأمر «معركة مع إيران». بذلك هو يربط منذ الآن مع دونالد ترامب الرئيس في سياسة استعادة العداء مع إيران، وهي السياسة نفسها التي أدت به الى إلغاء الاتفاق النووي وتطبيق استراتيجية «عصر إيران» التي نال منها لبنان من نال من تفسّخات وأضرار جمّة نتيجة الارتباط الدولتيّ العضوي الحاصل مع طهران.
ومع تعثّر الحراك العربي والدولي في تحقيق هدف خفض التصعيد، تزداد الخشية من أن يوظّف رئيس الوزراء الإسرائيلي ضعف الإدارة الرئاسية الأميركية التي تمرّ راهنا في مخاض عسير في مواجهة الحملة الرئاسية للجمهوريين، من أجل فرض إيقاعه في لبنان، وليس فقط في الجنوب، بحيث يخوض حرب تصفية حساب مع الحزب وحرب تأديب للبنان.
ووسط مؤشرات إلى أن طرفيّ الصراع يلعبان استراتيجية حافة الهاوية، مع ما تتطلب هذه اللعبة من شدّ وجذب وتصعيد وإهراق للدماء، يتضاءل الرهان على المجهود الأميركي الرامي إلى نزع فتيل الحرب، لأن نتنياهو بات إلى حد بعيد خارج تأثير إدارة الرئيس جو بايدن.
هذا يعني أن الضغط الأميركي على تل أبيب قد يصبح في وقت ليس ببعيد، غير قابل للصرف إسرائيليا، بحيث يصبح متحرّرا من الرادع الأميركي، واستطرادا طليق اليد في لبنان.
كل ذلك يدل على أن نتنياهو نجح، أو يكاد، في تعطيل التسوية في غزة، وهي الإنجاز الذي تطمح إليه الحملة الانتخابية للديموقراطيين من أجل ترسية التوازن مع الجمهوريين. هو بذلك بات لا يخشى تنازلات يفرضها عليه بايدن، ويتطلع إلى الاستحقاق الرئاسي الأميركي في تشرين الثاني على أنه محطة انتصار كامل له يثبّته في موقعه في المعادلة الإسرائيلية ويقيه شرور القضاء والمحاسبة الداخلية.
يقف حزب الله عند هذا المشهد بكليّته، قارئا التحوّلات المقلقة في حال استطاع ترامب العودة إلى البيت الأبيض. لن يكون هناك آموس هوكستين ينسج معه عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري التفاهمات، والواحد تلو الآخر، من الحدود البرية حيث النقاط العالقة، إلى حدود قصر بعبدا حيث الفراغ القاتل المستدام. لذا لا بد له من التشدّد في الميدان كما في السياسة، حيال تهاوي أوراق الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي. قد يقوده هذا التشدّد إلى خيارات داخلية جذرية تضفي مزيدا من التعقيد في الملفات العالقة أصلا، في مقدمها رئاسة الجمهورية المعطّلة بقرار واضح لا لبس فيه والتي أصبحت بالكامل رهينة الصراع في المنطقة، لا تتحرّر إلّا متى تحرّر الداخل من تأثير الخارج وسطوته، وهو الأمر غير المتوافر راهنا.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك