في آذار عيد أم وعيد طفل. وكثير كثير من الكلام الشعري والعواطف الجياشة. إنهما يستحقان. لكن ما لا نلتفت إليه غالباً، في ملف الطفل بالتحديد، هو ذاك الطفل المتروك في الشارع، على شكلِ ألعوبة بين أيدي الكبار. ثمة أطفال يصبحون، من حيث لا يدرون، مجرمين وهم من لا يفترض أن يعرفوا بعد من الحياة إلا القلم والكتاب والحضن الدافئ. لكنهم يُقحَمون في ما ليس لهم فيه، ويصبحون مرتكبين لجرم وجنح. وتبدأ الحكاية. حكاية حبس ومحامٍ وقاضٍ وهيئة اتهامية وحكم واستئاف وكفالة و"روح روح وتعّ تع". فهل القانون اللبناني يُنصف هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم وراء القضبان وهم بعد عجينة طيعة؟ سؤالٌ يستحقّ الوقوف عنده والسؤال: ماذا عن المرتكبين الصغار؟
هو الصراع المستمرّ مع القانون الذي هو حقّ لا مجاملة. ولأن معرفة القانون هي نصف المعركة، كان اللقاء مع "ريستارت لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب". وكان ملف الأطفال والقانون والحماية حاضراً.
نظن أن بيوتنا في أمان. وأن ما قد يرتكبه طفل في لبنان سيكون بفعلِ طفلٍ نازح سوري أو لاجئ فلسطيني أو بيئة لبنانية مختلفة. فنحن معصومون عن الخطيئة. لكن، ما لا ندركه - لنتداركه - أن أطفالاً لبنانيين في مصيدة الأشرار. فها هي جريمة صيدا القديمة تربك كل من سمع بها في أول هذا الشهر: حصل إشكال فردي بين شبان في صيدا القديمة، حيث أقدم قاصر على طعن شاب في قلبه. جريمة أخرى: أطلق القاصر علي النار على والده من بندقية "أوتوماتيك" فأرداه. جنحة ثالثة: أوقف القاصر ش.ش. وهو يسرق امرأة.
نقلّبُ بين ارتكابات الأطفال في لبنان فنجد أكثر من قصة وجريمة ونتيجة. ثمة قصّر في قبضة العدالة فكيف يحاكمون؟ فلنسأل "ريستارت". فلنسأل المحامين. ولنسأل من ينادون بحقوق الطفل في لبنان. جواباً، حكت المحامية وداد العبد عن ثغرات يشيب لها الرأس في محاكمات الأطفال.
القانون 422 وضمانة القاصر
فماذا في تفاصيل تلك المحاكمات؟ تجيب الأستاذة "حين نزور السجون أو مراكز الأحداث نرى أموراً مزرية فهل يجوز أن نتكلم عنها كما هي؟ هل نمارس شجاعتنا ونتكلم أو نمارس الحكمة؟ الشجاعة سهلة لكن الحكمة أهم". فماذا في المسائل "الحكيمة" التي يمكن الكلام عنها من دون أذية الطفل المرتكب؟ "الخدمات القانونية مفترض توفيرها.
نحن واجبنا توفير مساعدة قانونية لأي سجين ليس له مقدرة على الدفاع عن نفسه سواء أكان راشداً أم قاصراً. لكن، فلنتكلم عن الطفل المرتكب. هو مجرم؟ لا، هو غالباً ضحية. هو ضحية مجموعة من العوامل: أهله، بيئته، استغلاله من مجموعات منظمة في أعمال سرقة" تضيف "لفت نظري في إحدى المرات استخدام عصابة أطفال بسبب صغر حجمهم وإمكانية دخولهم بسهولة من الشباك للسرقة".
ثمة قانون رقمه 422 أتى انسجاماً مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل. من أجل توفير الضمانات للقاصر المرتكب في محاكمة عادلة ومنصفة وإنسانية. وتقول العبد "الوعي عند القاصر يختلف عن الوعي عند الراشد. نمو القاصر العقلي مختلف. ويجب أن يأخذ القاضي بهذا الاعتبار عند محاكمة قاصر.
لذلك، أوجد القانون ضمانات خاصة له مختلفة وأصولاً مختلفة. تلك الضمانات تقتضي أن يكون سجن القاصر آخر ما يلجأ إليه القانون. يجب التفكير دائماً بالتدابير البديلة للتوقيف. ويقول القانون 422 بضرورة إعداد بحث اجتماعي يعده مندوب اجتماعي فور توقيف قاصر في النظارة أو المخفر. هذا البحث (الملف) يُمكّن القاضي من الإطلاع على الملف فيفهم من كم فرد تتشكل عائلة المرتكب، وضعه الاجتماعي، وسبب انحرافه وارتكابه الجرم. لكن، ما يحدث واقعياً أن البحث الاجتماعي يغيب. تباحثت حول الموضوع مع مندوبين اجتماعيين فأجابوا أنهم يضعونه حين يصدر الحكم. أجبتهم:
القانون قال إنه يفترض أن يسبق ذلك، من أول لحظة التوقيف، ليستعين به القاضي، ما يمكّنني كمحامية من التكلم مع القاضي واستبدال التوقيف بتدبير آخر غير مانع للحرية، مثل الرقابة الاجتماعية، ووضع القاصر في مؤسسة، أو فتح ملف حماية له. ما يحصل يُشكل ثغرة حقيقية كون القانون 422 لا يُحترم".
النقاط الملتبسة في توقيف القاصر كثيرة. "تحدّث القانون 422 عن أولى الساعات الست التي تتبع توقيف القاصر. أتى القانون ليقول إنه حين يتم توقيف قاصر يجب أن يحضر المندوب الاجتماعي إلى مكان التوقيف خلال ست ساعات حتى يحضر الاستجواب مع القاصر. هذا طبعاً لا يحصل. فلا ضابطة عدلية تحدد لنا أي ساعة تم الإتصال بالمندوب أو ساعة حضوره. استجواب القاصر من دون حضور المندوب يؤدي إلى الإبطال لكننا لا نتمكن من ذلك لأنه غير موجود في القانون. لذلك علينا واجباً تعديل القانون.
للأسف المندوب الاجتماعي لا يكفي أن يكون متخصصاً في "السوشال" يجب عليه أن يعرف أيضاً مضمون القانون 422 ليتمكن من معرفة الضمانات المعطاة للقاصر أثناء التحقيق معه".
المندوب الاجتماعي "الجاهل"
فلنسأل عن تفاصيل أدق. ماذا يفعل المندوب الاجتماعي اليوم؟ تتحدث الأستاذة العبد عن أمور "حزينة": "أولاً، عليه الانفراد بالقاصر والتكلم معه حول ما إذا كان قد تعرض لشيء أو لأي نوع من أنواع التعذيب وهو ما لا يحصل" وتستطرد "محضر الدرك رسمي ولا يمكنني كمحامية الطعن به، خصوصاً إذا لم أتمكن من إثبات تزوير ما قد يكون حصل، كما أن علامات التعذيب على جسد القاصر لا تعود ظاهرة بعد وقت.
تأخير وصول المندوب الاجتماعي يهدد مسار كل القضية. هناك قضايا سألت فيها الأولاد ما إذا كان برفقتهم مندوب اجتماعي فأجابني أحدهم: ماذا يعني مندوب اجتماعي؟ قلت له: شخص مدني يجلس جانباً. أجابني: كان هناك واحد لكنه لم يفعل أو يقل شيئاً. وقال آخر: كان هناك واحد ضُربت أمامه ولم يحرك ساكناً. هذا ما قاله لي بالحرف. وهناك قاصرون أخبروني أن المندوبة الاجتماعية حكت معهم قبيل استجوابهم وأقنعتهم بإدلاء معلومات لا يعرفون عنها شيئاً وقالت لهم: إعترفوا. وبناء على طلبها اعترَفوا.
وهناك حادثة صدام بين أحد القصار ومندوبة اجتماعية قال لها القاصر: أنتِ قلت لي أن أعترف بأشياء سئلت عنها. هذا طبعاً لا يجوز فقرينة البراءة أساس توقيف أي شخص. إذا لم تمتلك النيابة العامة أو جهة الادعاء الأدلة لتثبت ادعائها فليست مهمة المندوب - أو المندوبة - تسهيل عملهما. هذا ما حاولنا ملياً إفهام من يعملون كمندوبين اجتماعيين. قلنا لهم - وكررنا - إنكم لستم موجودين في فصيلة درك أو مركز بوليس لمساعدة الضابطة العدلية على الحصول على إقرار قاصر".
الوصف الجرمي أساسي. دخول القاصر من الشباك شيء. دخوله من الباب شيء آخر. أرتكابه الفعل ليلاً شيء. وارتكابه نهاراً شيء آخر. لذلك، يجب حضور مندوب اجتماعي "عاقل" إلى جانب القاصر خلال ست ساعات من توقيفه. أمرٌ آخر يمارس في لبنان ولا ينتبه إليه كثيرون "توقيف القاصر مع راشد إستغله في غرفة واحدة. هذا رهيب. هو يؤثر على القاصر ويجعله يعترف بما لم يرتكبه ليخلص حاله.
لا يجوز اختلاط الراشد بالقاصر مطلقاً. هذا مخالف للقانون مهما كانت الأسباب والجرم. كما أن توقيف القاصر في مراكز عسكرية غير مخصصة لتوقيف القصار ممنوع. لكنه يحصل. كما أن هناك مندوبين يحضرون "هاتفياً" فقط إلى جانب القصار وهذا لا يجوز؟ هناك المادة 47 تحدثت عن خلوة النصف ساعة بين القاصر والمندوب.
هي مهمة جداً لنعرف ماذا حصل مع القاصر. ثمة قضاة اعتبروا هذه المادة خطيئة كونها تتيح للمحامي أو المندوب تعليم القاصر ماذا يقول. نعم، مهمتنا أن نعلمه. وأنتم كقضاة ونيابة عامة مهمتكم إكمال جمع الأدلة".
وتستطرد العبد بالقول "إدخال ولد إلى مركز بوليس في ذاته يرعبه. الراشد الآدمي حين يدخل إلى هكذا مركز يشعر بالرهبة فكيف بقاصر؟ لذلك نؤكد وجوب وجود محام مع القاصر أثناء التحقيق الأولي. دور المندوب الاجتماعي إعداد البحث عن الأسباب التي دفعته إلى الانحراف أما دور المحامي فتأمين حق الدفاع المقدس بموجب القانون".
التكبيل ممنوع والتصوير خطيئة
أمرٌ آخر هو حقٌ للقاصر المتهم وهو وجوب عدم الإبقاء عليه طويلاً في النظارة لأنه قد يكون فيها في خطر. في هذا الإطار تعطي الأستاذة مثلاً حصل "كان أحد القصار يعاني داء السكري من النوع الأول ويحتاج إلى ثلاث إبر أنسولين. مكث ثلاثة أشهر من دون استجواب استنطاقي علماً أن القانون يقول إن هذا يحصل في غضون 24 ساعة. ما عرضه إلى خطر كبير".
ممنوع تكبيل القاصر واستعراضه في قصور العدل أمام نظر الجمهور. هذا ما صدر في قانون رقمه 236/2021 لكن لا يطبق "نقل القاصر يفترض أن يكون في سيارة صغيرة ويحظر استخدام الأصفاد والسلاسل.
وصورته يجب أن تحجب. لكننا للأسف ننقله بآلية مع الراشدين. هذا القانون لا يطبق بتاتاً. وغالباً ما نرى القصار يقفون على الحائط أمام عدسة مصور. في أحد المرات تشاجرت مع عسكري يطلب منه قاصر أن يفك الأصفاد من حول يديه لأنها تؤلمه كثيراً. صرخ عليه: أسكت كي لا أضربك. قلت له: ممنوع أن تتصرف معه هكذا. أجابني: وإذا هرب من يتحمل المسؤولية؟".
المسؤولية الجزائية للقاصر هي 7 سنوات. هو سن متدنٍ جداً. أما سن التوقيف فهو 12 سنة. وتقول العبد "حين ناقشت قاضياً على أي أساس أنت توقف قاصراً دون 12 عاماً أجابني: هو ارتكب جريمة سرقة. قلت له: القانون يطلب منك أن تضعه في مؤسسة. أجابني: أمّني لي مؤسسة لأفعل. نعم، إيجاد مؤسسة مشكلة المشاكل. لا مؤسسات. القانون لحظ ذلك لكن التطبيق شبه مستحيل".
بالنسبة للسجل العدلي، أتى القانون 422 ليحدد التدابير في الموضوع، متحدثاً عن تدابير مانعة للحرية وتدابير غير مانعة للحرية لا يجب أن تدرج بتاتاً على السجل العدلي. وبين هذه التدابير غير المانعة: الإصلاح والتأديب. وهذا لا يحصل غالباً.
فلنعط الطفل فرصة جديدة. أمرٌ آخر مثير للجدل وهو أن كل إخلاء سبيل لقاصر يمكن استئنافه مهما كان الجرم. يعني، إذا قرر قاضي التحقيق ترك القاصر لقاء كفالة مالية بسيطة يمكن للنيابة العامة الاتهامية الاستئناف وتسطير مذكرة توقيف. وهذا ما يحصل غالباً. فعلى أي أساس يحق استئناف هذه القضية المتهم بها قاصر لا يحق لهم توقيفه من الأساس؟ إنها "حارة كل مين إيدو إلو".
هو ملف نضعه تحت المجهر في وقتٍ يُحكى فيه عن وطن جديد وقضاء جديد ووعيٍ أكبر. نعم، هناك أطفال يرتبكون أفعالاً لكنهم قصار. لهؤلاء القصار قوانينهم وأحكامهم وعقوباتهم. فليتأدبوا. لكن، لا تدعوا مرتكبين، أقحموا بأفعال، يخرجون مجرمين.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك