يضحك دبلوماسي عربي بارز عندما يقرأ أو يسمع كلاماً في إطار تحليلات وترويجات فيها الكثير من الافتعال، حول بروز وصاية أميركية سعودية جديدة على لبنان، وأن هذه الوصاية تمثل البديل للوصايتين السورية والإيرانية على التوالي، وكأن مجرد خروج لبنان كلياً أو جزئياً من الوصايتين الأخيرتين يفترض بالضرورة الخضوع لوصاية جديدة، علماً أن ما ينتظر لبنان هو العودة إلى موقعه الطبيعي عربياً ودولياً كدولة مستقلة ترتكز إلى استقرار داخلي يتجه أكثر فأكثر إلى التحول واقعاً معيوشاً على أسس ثابتة، وإلى علاقات خارجية تعزز مكانته كنموذج للحرية والتنوع بعيداً من أي هيمنة لا سيما عسكرية - أمنية بوجه سياسي.
ويقول: "لقد تحمل لبنان الكثير على مدى عقود عدة، ومُنحت السلطة فيه أكثر من فرصة لتصحيح المسار وإعادة لبنان إلى السكة السليمة، لكن وللأسف، سقطت في المحظور تدريجاً وذهبت بعيداً في الرهان على محور الممانعة سواء بإرادتها أو قسراً، وكانت النتيجة واحدة، وهي تحويل لبنان من رائد للتنوع والفكر والانفتاح، وبخاصة للحرية، إلى ساحة تخضع لأحادية القرار المسلوب، وللتسطيح على مستويات عدة".
كما قال: "ما يزيد الاستغراب والأسى، هو أن بعض القوى السياسية التي يفترض أن تكون سيادية، وليس كلها بالطبع، تماهت مع فريق الممانعة وتخلت عن الكثير من الأوراق بمبررات مختلفة، حتى وصل الأمر إلى ما يشبه استسلامها للأمر الواقع على الرغم من أصوات سيادية وازنة رفضت هذا الواقع، لكنها وجدت نفسها شبه وحيدة واعتراضها يذهب هباء، بسبب تغليب منطق الصفقات السياسية وغير السياسية والمحاصصة".
ما لا يقوله الديبلوماسي تشي به معلومات حول الموقف السعودي من لبنان، وخلاصته أن المملكة لا تلعب اليوم دور رأس حربة من أجل نفوذ معين، بل تلعب دوراً طبيعياً من أجل مساعدة لبنان كي يكون نموذجاً لما يجب أن تكون عليه المنطقة ككل، من تفاعل حضاري وقبول للآخر وحقوق لمختلف المكونات الدينية والثقافية، من دون التخلي عن القيم والمبادئ، وهذا مغزى المسيرة التي يتولاها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وتلفت المعلومات إلى أن المملكة تراهن بقوة على نجاح الرئيس العماد جوزاف عون في المهمة الإنقاذية بدءاً باستعادة السيادة والقرار للدولة اللبنانية، وهي كان لها عملياً الدور الأبرز في دعم وصوله من دون أي تدخل مباشر، بل من خلال أجواء ربطت بين انتخاب عون وبين فرص مساعدة لبنان إعمارياً واقتصادياً وسياسياً كي ينهض من كبوته ويستعيد استقراره وازدهاره. بل إن اهتمام المملكة بانتخاب قائد الجيش رئيساً فاق اهتمامها بالاستحقاق الحكومي تكليفاً وتأليفاً، لأنها رفضت أي دور لها في هذا المجال، وتحفظت على إبداء أي موقف، ولو أنها لم تنزعج من تداول اسم النائب فؤاد مخزومي للتكليف.
وحول ما إذا كانت المملكة مستعدة للتورط في أي دعم مالي سياسي على خلفية الانتخابات النيابية المقبلة، كما يتكهن البعض، تشير المعلومات إلى أن المملكة ابتعدت من زمان عن تقديم أي دعم بمختلف وجوهه وما زالت على موقفها، وبالتالي، فإن غمز البعض من باب إمكان دعمها لقوة سنية رئيسية هو في غير محله وغير وارد أساساً، علماً أنها تعتبر أن للسنّة في لبنان دوراً أساسياً في الحفاظ على الدولة والصيغة الميثاقية فيها.
على صعيد آخر، تكشف معطيات ثقة أن الثلاثي الأميركي الفرنسي السعودي أكثر ما يتوافق عليه هو مقاربة الوضع اللبناني وبنسبة معينة الوضع في الشرق الأوسط، باعتبار أن فرنسا عدّلت في موقفها إقليمياً حتى في ما خص النفوذ الإيراني، انطلاقاً من إدراكها أن الدور الإيراني التوسعي إلى انحسار تدريجي، في ضوء الاندفاع الأميركي ونوايا إسرائيل لمنع إيران من الوصول إلى القنبلة النووية، لا سيما أن ما كشفته وقائع الحرب في لبنان، فاجأت دولاً عدة من بينها فرنسا لجهة وجود مشروع لوضع اليد كاملاً على لبنان و"تهديد الكيان الإسرائيلي في عمقه".
وبحسب المعطيات، فإن الأنظار تتجه أكثر فأكثر إلى العراق الذي يمثل اليوم الاختبار الأبرز للكباش الإيراني الأميركي، علماً أن السعودية تحاول بهدوء إعادة العراق إلى الحضن العربي بشكل أكثر فاعلية، من خلال تشجيع رئيس الحكومة والسعي لإدخال بغداد في الفضاء التطويري والاستثماري لا سيما في الخليج.
وما يوحي بأن العراق ماض في التمايز أكثر عن إيران، هو تنامي شعور عراقي حتى لدى شرائح مهمة من الشيعة بأن إيران تسعى إلى التحكم أكثر بالقرار السيادي العراقي، مقابل استمرارها في استغلال الثروة العراقية النفطية عبر مجموعة من المصارف والهيئات التي توفر لها أموالاً ضخمة بوسائل مريبة، إلى التهريب المعروف عبر الحدود.
وهذا التوجه إن دلّ على شيء، فعلى أن مسار التغيير في المنطقة يتقدم، لا سيما في ضوء انطباع عام بأن إيران لن تبقى بمنأى عن ضربة عسكرية إذا لم تسلّم بالمسار التغييري واستمرت في الممانعة والمعاندة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك