بعد نصف قرن من المآسي والدعارة الدبلوماسية، أي منذ اتفاقية القاهرة سنة 1969 وتداعياتها على لبنان وسوريا والعرب والفلسطينيين والتي ألغيت رسمياً في مجلس النواب في 21/5/1987، وبعد اتفاقية قاهرة متجددة في 6/2/2006 وتداعياتها الكارثية بخاصة منذ 2016، هل يصبح لبنان في العهد الرئاسي والحكومي الجديد "دولة طبيعية"؟ ورَد تعبير "دولة طبيعية" في خطاب الرئيس سعد الحريري في ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري وموكبه.
ما معنى "دولة طبيعية"؟ هذا التعبير هو ثمرة اختبار، لبنانياً وعربياً ودولياً، ونقيض مخادعات وسجالات وتحاليل استراتيجيين ومزايدات في العدائية والمقاومة "وحقوق مسيحيين". "الدولة الطبيعية تمتلك كامل وظائفها الأربع الملكية: rex, regis, roi: احتكار القوة المنظمة أي جيش واحد لا جيشين، واحتكار العلاقات الدبلوماسية أي دبلوماسية واحدة وليس دبلوماسيتين وفي سياق جامعة الدول العربية ولبنان "عربي الهوية والانتماء"، وإدارة المال العام من خلال الضرائب وجبايتها، وإدارة السياسات العامة.
1. ليست الدولة شقة مفروشة مع مفاتيحها! ورَد بوضوح التوصيف الرسمي للمقاومة الوطنية استناداً إلى الشرعات الدولية في اجتماع وزير الخارجية فارس بويز مع الجنرال تروند فورهوفد، قائد القوة الدولية في جنوب لبنان في 3/8/1991، يرافقه المستشار السياسي لقيادة القوة الدولية نيقولاي كولوف وعدد من الضباط الدوليين في لقاء مع الوزير فارس بويز (ظافر الحسن، الدبلوماسية اللبنانية: معايشة شخصية، دار النهار، 2011، 10 أجزاء، المجلد 5، ص 191-193). لم يشهد التاريخ مقاومة معادية للدولة وتمارس الهيمنة في سياق دبلوماسية إقليمية خاصة بها وتعطّل الدولة الضامنة لشرعية مقاومتها بالذات! يتطلب الموضوع الغوص في علم النفس العيادي.
تعمّمت المقولة التالية لجهة سياسية في ندوات ولقاءات وسجالات: عندما تصبح الدولة في لبنان قادرة نسلّم سلاحنا! إنه إدراك الدولة كشقة مفروشة مع مفاتيحها! الشقة المفروشة الجاهزة هي من صنع الآخرين! تستمد الدولة قوتها من شرعيتها. الدولة قوية وقادرة وفاعلة بفضل دعم المواطنين. لنتخيّل كم ستكون الدولة اللبنانية قادرة وفاعلة بفضل دعم القوى السياسية وكل الذين يعانون من عقدة الباب العالي. ما يؤكد الحالة المرضية في علم النفس العيادي إدراك البعض أن استعادة الدولة هو هزيمة! كان يصرخ الرئيس الياس سركيس: "أنا منكم، أنا لكم، أنا معكم!"، لم يتلقّ جواباً! يقضي الحد الأدنى والبدائي في الحكمة السياسية اعتبار استعادة الدولة انتصاراً لجميع اللبنانيين وأحزابهم وطوائفهم ومستقبل أولادهم وأحفادهم! إن البحث في علم النفس العيادي في لبنان هو أكثر جدوى من نقاشات عديدة.
2. هل النواب الـ99 داعمون "للدولة الطبيعية"؟ لو كان النواب الـ99 الذين صوتوا لرئيس الدولة داعمين لمسار الدولة لتمّ تشكيل حكومة الرئيس نواف سلام بعد أيام وانطلقت كل تفاصيل تطبيق القرار 1701 وتعمّمت الثقة بلبنان عالمياً! نصف أعضاء المجلس النيابي هم نواب دولة، في حين أن ما يقارب النصف الآخر يتذاكون ويتكاذبون ويتموضعون على النمط اللبناني التقليدي! هؤلاء النواب يتموضعون في كل ما يتعلق بخطاب قسم رئيس الدولة جوزاف عون وحكومة الرئيس نواف سلام، ولهم مؤيدون وأتباع وأزلام ومقترعون ولا نقول ناخبون. منذ ممارستي حقي الانتخابي في سن الـ 21، لم أصوت لأي مرشح في دائرتي مارس أية دعارة في علاقات لبنان الخارجية نقيضاً للبنان العربي وانتمائه ونقيضاً لوظائف الدولة الأربع الكيانية.
3. مثاقفة الدولة ودولنة المواطنية: يتجاهل كثيرون في ذكرى مئوية أول أيلول 1920 أن المناسبة كانت بعنوان: إعلان دولة لبنان الكبير! لم يكن لبنان قبل هذا التاريخ دولة، بل إمارات وإقطاعيات تابعة للدولة العثمانية. إنه تاريخ نشوء الدولة اللبنانية في أنتروبولوجيا القانون والتاريخ. وتوجه الجنرال غورو إلى اللبنانيين باستعمال تعبير Grand-Libanais باللغة الفرنسية التي ترجمت خطأ من قبل مؤرخين: سكان لبنان الكبير! لم يستعمل الجنرال غورو تعبير Habitants du Grand-Liban! يتطلب ذلك تساؤل كل لبناني: هل نحن لبنانيون كبار في دولة لبنان الكبير؟ في لبنان لبنانيون صغار لا يزالون يتبارزون في خطب وشاشات تلفزة واستعراضات. في محاضرة له في الندوة اللبنانية في 10/12/1956 يقول كمال جنبلاط: "لبنان وجد لكي يكون بلد العقل، بلد العقلانية – أثينا هذه البقعة من الشرق. ولنترك لسوانا أن يتلهى أو يجازف بلعب دور إسبارطة Sparte فهو ليس دورنا في الواقع. إن نفوسنا تعبت – عبر التاريخ – من تشخيص أدوار الأباطرة أو من تقليد دون كيشوت Don Quichotte".
تُشكل إصدارات حديثة مدخلاً في سبيل العمل على مثاقفة الدولة في لبنان وأبرزها: الدولة والعيش معاً في لبنان في الثقافة والذاكرة والتربية (تقديم عباس الحلبي وسليم دكاش، كرسي اليونسكو لدراسة الأديان المقارنة والوساطة والحوار، جامعة القديس يوسف، 2023، 340 ص).
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك