كتب بسام ضو في "اللواء":
نظام لبنان السياسي المعتمد في الجمهورية اللبنانية هو بحكم الدستور ومع كل تعديلاته نظام برلماني ديمقراطي، ولكن الواقع يشي بعكس ذلك والذي يطغى بكل تداعياته على كل الاستحقاقات بما فيها الاستحقاق الرئاسي المنتظر في 9 كانون الثاني 2025. كل الدلائل تشير إلى إتجاه يتناقض مع أسُس النظام الديمقراطي البرلماني بقدر ما يتنكّر لمبدأ أحقية الشعب اللبناني في التعبير عن خياراته المصيرية، وأمام تلكؤ نوّاب الأمة (نوّاب التسويات ونكء الديمقراطية) في تلبية مطالب الشعب اللبناني بسيادة تامة غير منتقصة وإنتخاب رئيس للجمهورية يحمي الدستور والمؤسسات الرسمية ولا يكون نِتاج تسوية تحمي مصالح الطبقة السياسية الحاكمة.
هذا الواقع الأليم الذي أقيمَ في الجمهورية اللبنانية منذ أن أقرّوا وثيقة الوفاق الوطني التي حُجّمتْ بفعل الممارسات السياسية الخاطئة والتدخلات الخارجية وبدا الأداء السياسي القائم يتناقض مع ما يعرف بالنظام الديمقراطي. فالدستور أهْمِل والمؤسسات تحوّلت إلى مغاور يعشعش فيها الفساد، وأصبحنا بمعيّة سلطة تنتهك حقوقنا وحرياتنا، وأداء سياسي يتصف بالعمالة ويحمل في طياته ما يُعرقل أي عملية إصلاحية بنّاءة. من هنا نستنتج أننا أمام إستحقاق رئاسي غير معروف النتيجة وقد نصل إلى نهاية مصير مؤلم بقدر ما سيكون متعارض مع الديمقراطية ومع أي مفهوم تغييري إصلاحي.
غالباً ما ننادي كباحثين وكأعضاء في المركز الدولي للأبحاث السياسية والاقتصادية PEAC برأي في الاستحقاق الرئاسي وفي حالة إبداء إعتراض لأسلوب إنتهاج المحاصصة بين الأطراف الحاكمة قام أو أُقيم في وجهنا من يناهضنا ويناقضنا ، وهذا الأسلوب يمنع الرأي الحر من إبداء رأيه في موضوع مهم كالإستحقاق الرئاسي المصيري. في هذا الإستحقاق المصيري نقف كمثقفين وكناشطين مُطالبين بحقوقنا المهدورة التي سمح لنا الدستور بسلوكها، والمادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصّتْ صراحة على أنّ إرادة الشعب هي مصدر السلطات، يُعبَّر عنها بإنتخابات نزيهة تجري على أساس الإقتراع السرّي وحرية التصويت، كما أنّ الإتفاقية الدولية في شأن الحقوق المدنية والسياسية والتي إنضم إليها لبنان في العام 1972 نصت أيضاً على أن لكل مواطن الحق والفرصة في أن يَنتخِبْ ويُنتخَبْ في إنتخابات تجري وتحصل. كما أننا نوّد التذكير السّادة نوّاب الأمة بما صدر في الفقرة – د – من مقدمة الدستور «الشعب مصدر السلطات يُمارسها عبر المؤسسات الدستورية» مما يُفيد أننا وبالوقائع أمام مجلس نوّاب فاقد للشرعية الدستورية ممدّد له وغير صالح للإقتراع بسبب المشاكل المتراكمة التي يعيشها وكأني به مركز مجموعة من الكتل المتقاتلة المنقسمة على نفسها وبعضها وحالتها تُشبه مرضى «الصرع».
إننا كباحثين وكناشطين مسكونين بهم العدالة والديمقراطية وبالوطن وبمؤسساته الشرعية المدنية والعسكرية، ووفق وجهة نظر العلم السياسي إنّ الديمقراطية السياسية هي الطريق إلى الوطن المتحرِّر من كل العقد والتبعيات والارتهانات والعمالة. الظاهر وللأسف أننا أمام مجلس نيابي لم يطبِّق مبادئ النظام الديمقراطي الذي نص عليه الدستور والسبب في ذلك إفتقاد قوانين الدولة صفتي القانون والشمول والمساواة من جهة وعدم تعديل الدستور والقوانين بما يفضي إلى نقض الأسلوب الممارس وخصوصاً القانون الإنتخابي المعمول به والذي أدّى إلى الإمساك بكل مفاصل الدولة إمساكاً محكماً، وعدم تمكّن القوى السياسية المتحرِّرة ورجال الدين التوّاقين نظرياً إلى إنتخاب رئيس للجمهورية من إجراء تعديلات على القانون الحالي ليُصار إلى التغيير المنشود.
نسأل السادة «قوى المعارضة» ورجال الدين في زمن التوجه إلى إنتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد طول إنتظار هل النظام البرلماني في لبنان يحترم الحقوق والخصوصية والحرية لإبداء الرأي في لبنان؟ هذا تساؤل يقودنا إلى تحديد المعيار الذي قيس عليه إذا ما حلّلنا نتيجة الانتخابات الأخيرة وما قبلها حيث لم يُعتمد المعيار الحقوقي وحرية الخيار للناخبين. إنه واقع أليم نعيشه رغماً عن إرادتنا... وعملياً نحتاج لجهود مكثّفة وتقاطع مقاربات لأنّ هذا القانون المعمول به لم يؤدِّ وظيفته لسلوك النظام الديمقراطي الذي يفرز مجلساً نيابياً متحرراً وبإمكانه أن يأتينا برئيس إنقاذي.
ما يحدث اليوم من مشاورات بين الكتل النيابية ليس سوى مصادرة علنية لحقوقنا كلبنانيين، ولكن هذه المرة من طريق مصادرة حقنا في إيصال رئيس متحرّر من هذه الكتل التي تسعى جاهدة لتقاسم مغانم السلطة على حسابنا. والأسوأ من ذلك تتُّم المشاورات تحت رعاية المحافظة على الجمهورية والدفاع عنها... وإذا قدِّرَ لهذه البدعة بدعة التوافق «على رئيس توافقي» أن تلقى طريقها حتى وإنْ لم تُقابل بإعتراض من المقامات السياسية والروحية التي تدّعي العفة والمحافظة على رئاسة الجمهورية فمن شأنها أن تشكّل أول مِسمار في نعش الجمهورية بما يصفونه «النظام السياسي التوافقي» الذي سيحفظ هذا النظام البائد... لذا نحن أمام مصير قاتم أسود وستكون جلسة 9 كانون الثاني 2025 مجلس عزاء للجمهورية بدل أن تكون عرسًا، حيث واقعها السلبي سيعكُس مرتجاها الأسود.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك