كتب محمد شقير في "الشرق الأوسط":
تتعامل القوى السياسية اللبنانية مع الزيارة الخاطفة للوسيط الأميركي آموس هوكستين لبيروت على أنها تبقى تحت سقف رفع العتب، ولن يترتب على لقاءاته برئيسي المجلس النيابي نبيه بري، وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وقائد الجيش العماد جوزف عون، نتائج مجدية ما لم تنضج الظروف لتطبيق القرار 1701، التي يبدو من وجهة نظرها أنها ليست متوافرة حتى الساعة للتوصل إلى وقف إطلاق النار في الجنوب بين إسرائيل و«حزب الله».
فعودة هوكستين إلى بيروت هي بمثابة فرصة أخيرة ليست مضمونة؛ لأن إسرائيل غير مستعجلة لوقف إطلاق النار، وهي تأخذ وقتها بتدمير القرى وتحويلها أرضاً محروقة يصعب العيش فيها، وصولاً لفرض منطقة عازلة منزوعة السلاح والبشر على امتداد البقعة الجغرافية المعروفة بجنوب الليطاني، تستخدمها للضغط على لبنان لانتزاع موافقته على ترتيبات أمنية تكون بمثابة ملحق يتضمن خريطة طريق لتطبيق الـ1701 بكل مندرجاته، تسمح لها بالتوغل براً أو استخدام الطيران في حال أن تطبيق القرار تعرض إلى خروق لا بد من معالجتها، ولكن على طريقتها.
ومع أن هوكستين لا يؤيد إدخال تعديلات على القرار 1701، ويصر على تطبيقه بكل مضامينه، باعتبار أن ما نُفّذ منه لم يعد كافياً، وأدى إلى وقف الحرب في تموز 2006، لكنه لا يصلح لإعادة الهدوء إلى الجنوب ما لم يطبّق بحذافيره وبكافة مندرجاته.
ويؤكد هوكستين، كما تقول مصادر لبنانية بارزة لـ«الشرق الأوسط»، أنه لا يمكن تطبيق الـ1701 بالتراضي كما هو حاصل اليوم، وأن هناك ضرورة لتحويل جنوب الليطاني إلى منطقة خالية من أي وجود عسكري غير شرعي، وتلفت المصادر السياسية لدى سؤالها عن مدى استعداد إسرائيل للتجاوب مع تطبيق القرار من دون أن تدخل عليه تعديلات تؤدي إلى تجويفه من مضامينه، إلى أن أجواء إيجابية سادت لقاءات هوكستين ببري وميقاتي والعماد عون، وأن النتائج تبقى في خواتيمها.
فجواب هوكستين على ما طرحه هؤلاء من تساؤلات مشروعة يبقى عالقاً على رد فعل إسرائيل ومدى استعدادها للالتزام بمضامين الـ1701، من دون أن تُدخل عليها تعديلات كالتي أخذ يتحدث عنها رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو وفريق حربه، خصوصاً أنهم ماضون في حربهم على لبنان، ويصرون على خوض المفاوضات بالتلازم مع تدمير الجنوب ومعظم البلدات البقاعية ذات الغالبية الشيعية، ظناً منهم أن الجانب اللبناني سيضطر للتسليم بشروطهم.
لذلك، تعتقد المصادر نفسها أن نتنياهو ماضٍ في حربه المدمرة ضد لبنان، ولن يوقفها، على الأقل في المدى المنظور، وتحديداً إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخامس من الشهر المقبل، ليكون في وسعه أن يبني على الشيء مقتضاه في ضوء ما ستحمله من نتائج. وتقول المصادر إن وقف النار في جنوب لبنان لم يعد محصوراً بموافقة الحكومة بدعم من بري، وإنما تعداه إلى خارج الحدود، بما يسمح لإيران بأن تكون طرفاً في المفاوضات، ولو ادّعت عكس ذلك بأنها تترك القرار للبنان.
وتكشف عن أن هوكستين شدد على ضرورة الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية ليكون حاضراً، ليس في المفاوضات لتطبيق وقف إطلاق النار فحسب، وإنما لأن هناك ضرورة لإعادة الانتظام للمؤسسات الدستورية بوصفها شرطاً لحضور لبنان على الطاولة في حال تقرر إعادة ترتيب الوضع في المنطقة، على خلفية تقليص نفوذ إيران، وتطويق ما تبقى من أذرعها، والمقصود بها «حزب الله»، وتؤكد أنه ينصح بانتخاب الرئيس اليوم قبل الغد، وأنه لا مانع من أن يُدرج إنهاء الشغور الرئاسي بنداً أساسياً على جدول الأعمال الخاص بتطبيق الـ1701، وبالتزامن مع وقف إطلاق النار.
وتقول المصادر نفسها إن بري وميقاتي شددا أمام هوكستين على ضرورة التوصل إلى هدنة لمدة 3 أسابيع، يُسمح في أثنائها بانتخاب الرئيس، ليكون حاضراً في التفاوض للتوصل إلى خريطة طريق لتطبيق الـ1701، وهذا ما أبلغاه أيضاً إلى رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، وتؤكد أن لا مجال لربط الجنوب بغزة، وأن إسناد الأخيرة لم يعد قائماً، على الأقل من الجانب اللبناني، بصرف النظر عن تمسك «حزب الله» بعدم الفصل بينهما.
وتسأل المصادر: "أين يقف حزب الله من تطبيق القرار بخلو جنوب الليطاني من أي سلاح غير شرعي؟ وهل يدعم الجهود الآيلة لتطبيقه، بما فيها تشديد الرقابة على المرافئ اللبنانية والمعابر بين لبنان وسوريا لمنع تهريب السلاح، أسوة بالنموذج الذي ينفذه حالياً الجيش اللبناني في مطار رفيق الحريري الدولي والذي قوبل بتأييد غربي تصدرته الولايات المتحدة الأميركية؟".
وعليه، تُصنّف زيارة هوكستين لبيروت على أنها معنوية، ولن يكون لها من مفاعيل، ما دامت الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» مشتعلة ومفتوحة على مزيد من التصعيد.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك