كتب ريمون مارون - مركز الشرق الأوسط للأبحاث الإستراتيجية Meirss:
لبنان اليوم يقف في قلب أزمة مصيرية، حيث تتزايد التحديات التي تهدد كيانه وهويته على خلفية الصراع الإقليمي والدولي الذي ينعكس بشكل مباشر على الساحة الداخلية. الحرب القائمة بين حزب الله وإسرائيل تمثل واحدة من أخطر هذه التحديات، وهي ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل جزء من صراع أعمق على هوية لبنان وقراره السيادي. في ظل هذه المعطيات، يبرز سؤال جوهري حول طبيعة الرئيس الذي يحتاجه لبنان في هذه المرحلة الحرجة، الرئيس الذي يمكنه انتشال لبنان من أزمته والحفاظ على كيانه وهويته.
ومن البديهي البدء بأنّ آلية انتخاب الرئيس بالطبع قائمة على الدستور وليس على الحوار الإحتيالي بحجة الحوار الوطني والرئيس التوافقي، فالرئيس الذي يحتاجه لبنان اليوم لا يمكن أن يكون مجرد شخصية توافقية تسعى لإرضاء جميع الأطراف. المطلوب هو رئيس يتمتع بالحكمة السياسية اللازمة للتعامل مع تعقيدات المشهد اللبناني، وفي الوقت نفسه يمتلك القوة والجرأة لحماية السيادة اللبنانية في مواجهة محاولات المساس بها من الداخل والخارج. لبنان كدولة يعاني منذ عقود من انقسامات عميقة، وهذه الانقسامات تعكس تباينًا في الرؤى حول طبيعة الدولة نفسها. البعض ينظر إلى لبنان كجزء أو امتداد لمحاور إقليمية معينة، فيما يرى آخرون ضرورة الحفاظ على هويته المستقلة والسيادية.
الرئيس المقبل يجب أن يجسد رؤية وطنية تحافظ على الهوية اللبنانية التي تعكس التعددية. لبنان لا يمكن أن يستمر كدولة إذا استمرت بعض الأطراف في فرض إرادتها على الآخرين أو في توجيه الدولة وفق أجندات خارجية. لهذا السبب، الرئيس المطلوب يجب أن يكون قادرًا على بناء توازن داخلي يحمي سيادة الدولة ويعيد للسلطة السياسية قدرتها على اتخاذ القرار المستقل.
الحرب الدائرة بين "حزب الله" وإسرائيل تتجاوز كونها صراعًا على الحدود أو مواجهة عسكرية. إنها جزء من معركة إقليمية أوسع، حيث يسعى "حزب الله" إلى تعزيز دوره كذراع إيراني في المنطقة، بينما تسعى إسرائيل إلى ضرب قدراته الدفاعية وقياداته. في هذا السياق، يجد لبنان نفسه محاصرًا بين قوتين تسعيان لتحقيق مصالحهما على حساب سيادته واستقلاله. الرئيس القادم يجب أن يكون قادرًا على حماية لبنان من الانزلاق في هذه الصراعات الإقليمية، والعمل على إعادة القرار العسكري والسياسي إلى مؤسسات الدولة اللبنانية.
لا يمكن للبنان أن يكون ساحة معركة بالوكالة بين أطراف خارجية، والرئيس الجديد يجب أن يرفض بشكل قاطع أن يكون لبنان جزءًا من أي مشروع إقليمي أو دولي لا يخدم مصلحة الشعب اللبناني. هذا يعني أن الرئيس يجب أن يعمل على تحجيم دور القوى المسلحة غير النظامية، وفي مقدمتها "حزب الله" من خلال تطبيق فعلي للقرارات الدولية ، بحيث يتمكن الجيش اللبناني من استعادة دوره كقوة وحيدة مسؤولة عن الدفاع عن البلاد.
من ناحية أخرى، يجب على الرئيس المقبل أن يواجه التحدي الكبير الذي يطرحه سلاح "حزب الله". هذا السلاح، الذي أصبح مصدرًا رئيسيًا للخلاف الداخلي والخارجي، يعقّد من قدرة الدولة على بسط سيادتها. التعامل مع هذه المسألة يتطلب حكمة فائقة، بحيث لا تؤدي محاولات نزع السلاح إلى تصعيد داخلي، وفي الوقت نفسه لا يبقى السلاح خارج إطار الدولة.
في ظل هذه الأزمات، الرئيس المقبل يجب أن يكون أيضًا حاميًا للهوية اللبنانية الجامعة. هذه الهوية ليست مجرد هوية طائفية أو دينية، بل هوية وطنية تعكس تنوع لبنان وتعدديته، لكنها تحافظ على وحدة البلاد. الرئيس يجب أن يعمل على تعزيز مفهوم المواطنة والمساواة بين جميع اللبنانيين.
في خضم هذه التحديات الكبرى، يبقى الأمل معقودًا على رئيس قادر على قيادة لبنان نحو بر الأمان. لبنان اليوم بحاجة إلى رئيس يتمتع برؤية وطنية شاملة، وقوة سياسية تمكنه من حماية البلاد من الانهيار، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الأمني. الرئيس المقبل يجب أن يعيد القرار الوطني إلى مؤسسات الدولة، ويعمل على ترسيخ السيادة اللبنانية في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية.
إن مستقبل لبنان يعتمد إلى حد كبير على هذا الاختيار، وهوية الرئيس القادم ستحدد بشكل كبير مسار البلاد في السنوات المقبلة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك