كتب فرزاد قاسمي في "الجريدة" الكويتية:
في وقت تثار تساؤلات بشأن توقيت الضربة الانتقامية التي تلوّح بها طهران ضد إسرائيل، وما إذا كانت ستنفذ الخطوة التي يخشى من أن تتسبب في اندلاع حرب كبرى بالمنطقة قبل تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في 20 كانون الثاني المقبل، تحدّث مصدر مقرب من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لـ «الجريدة» عن تواصل أوّلي بين ترامب وفريقه و«أصدقاء إيران في واشنطن»، بينهم وسطاء لبنانيون.
وقال المصدر إن وسطاء لبنانيين تواصلوا مع ترامب حول القضية الإيرانية، وأبلغوا طهران تأكيدات شفهية من الرئيس المنتخب حول استعداده لفتح صفحة جديدة معها، بشرط واحد هو حصوله على ضمانات موثوقة بأنها لن تقوم بتطوير سلاح نووي. ووفق المصدر، قال ترامب لأحد الوسطاء، (وهو رجل أعمال أميركي من أصل لبناني)، إنه يسعى لعلاقات جيدة بل وممتازة مع إيران، وإنه يرى أن مكان إيران الطبيعي يجب أن يكون في صفوف «المعسكر الغربي»، وأنه إذا اتخذت طهران الخيارات المناسبة، فإن الولايات المتحدة تحت حكمه سوف تساعدها على النهوض والتنمية.
وذكر المصدر أن الرئيس الجديد أكد أنه غير مهتم بإسقاط النظام الحاكم بإيران، ولا التدخل بالشؤون الداخلية لطهران، وأن ما يهمه فعلا هو أن تتعاون السلطات الإيرانية للخروج من خانة الدولة المعادية، وتتحول إلى دولة صديقة، أو ربما تعود حليفة لواشنطن كما كانت خلال عهد الشاه، وأنه مستعد أن يعيّن شخصاً يبدأ بإجراء مفاوضات مع الإيرانيين في المرحلة الانتقالية، وفي حال التوصل الى اتفاق يتم البدء بتنفيذه فور تسلّم السلطة.
وأضاف أن الرئيس المنتخب أخبر الوسطاء بأنه لديه مشروعاً جديداً لحل أزمة الشرق الأوسط ينهي الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين «إلى الأبد»، وإذا تعاونت إيران معه في تطبيقه، فسيكون بإمكانها استعادة مكانتها وريادتها الإقليمية. وأشار المصدر إلى أن رد طهران هو رهن حسابات الموجة الحمراء، لافتا إلى أن ترامب طلب من الإيرانيين ألا يقوموا بالرد على أول هجوم إسرائيلي علني على الجمهورية الإسلامية أواخر أكتوبر الماضي، من أجل السماح للأوضاع الإقليمية بالهدوء. وأوضح أن إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن كانت قد وعدت الإيرانيين عبر رسالة مكتوبة، منذ أسبوع، بأنها ستسعى بعد الانتخابات للتوصل الى وقف إطلاق نار في غزة ولبنان، وطلبت منهم عدم الرد قبل يوم الاقتراع.
ولفت المصدر، وهو عضو بالمجلس الأعلى للأمن القومي، إلى أن القادة العسكريين في إيران يعتقدون بأن إدارة بايدن لن تنفّذ وعودها، وأن حكومة بنيامين نتنياهو ستسعى في الفترة الانتقالية إلى حصد المزيد من المكاسب، وبالتالي يجب على إيران أن تسرّع تنفيذ ردها العسكري القوي المتعدد الجبهات، وعدم التوقف حتى التوصل الى وقف لإطلاق النار الشامل في غزة ولبنان. ويرى قادة الأجهزة العسكرية في إيران أنه من الضروري إنهاء جولات القتال قبل تسلّم ترامب السلطة، لتفادي احتمال قيامه بمنح إسرائيل امتيازات لقبول وقف إطلاق النار، مثل الاعتراف بضم غزة للدولة العبرية، كما اعترف في ولايته الأولى بضم الجولان السوري المحتل. ووفق المصدر، فإن الرئيس الإيراني طرح رسالة ترامب الشفهية على المرشد علي خامنئي، وطلب منه الإذن بالدخول في مفاوضات مع إدارة ترامب وتجاوز مسألة عدم التعامل معه، لأنه أصدر الأمر بقتل الجنرال قاسم سليماني. وطرح بزشكيان اسم نائبه الحالي محمد جواد ظريف لقيادة المفاوضات بحكم تجربته وعلاقاته الأميركية.
لكن خامنئي طالب بزشكيان بالتريث في الدخول بأي نوع من الحوار، قبل اتضاح نوايا ترامب، كما نصح بتعيين شخص آخر غير ظريف لكونه يُعد «ورقة مكشوفة». ورجّح المصدر أن يكلف بزشكيان شخصية موثوقة لدى النظام الإيراني دون أن تكون لها صفة رسمية لإجراء المفاوضات غير الرسمية الاستكشافية مع فريق ترامب، على أن تعقد في مكان غير متوقع، مثل إسطنبول التركية أو تبليسي الجورجية. وتماشت المعلومات التي نقلها المصدر الإيراني مع تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز، أمس، نقلا عن مصدر مطّلع، تحدث عن وجود تفاهم بين نتنياهو وترامب على العمل لإنهاء الحروب، ولفت إلى أن الأول لن يقوم بأي خطوة كبيرة في لبنان وغزة قبل تنصيب الرئيس الجديد.
ووسط تردد إيراني داخلي بشأن الخطوة المقبلة، دعا قيادي في «الحرس الثوري» تل أبيب إلى الاستعداد لرد بلده على أول هجوم علني تشنّه ضدها أواخر أكتوبر الماضي، فيما شدد مستشار قائد «الحرس الثوري»، حسين طائب، على أن «حرب البينغ بونغ التي بدأت بين إيران وإسرائيل يجب أن تستمر ونرى لمن النصر في النهاية»، محذّراً من أن خطة نتنياهو هي جر أميركا للحرب مع إيران. واعتبر المتحدث باسم «الخارجية» الإيرانية، إسماعيل بقائي، أن فوز ترامب يشكل فرصة لواشنطن «لمراجعة التوجهات غير الصائبة السابقة»، في إشارة إلى حملة «الضغوط القصوى» التي تبنّاها ضد طهران خلال ولايته الأولى. وفي حين حثّ عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، ترامب على أن يأخذ العبر من أخطائه السابقة تجاه شعب إيران الصلب الذي لن يتنازل عن حقوقه، وحذر من أن خطة إسرائيل هي التحرك نحو إيران بعد غزة ولبنان، أعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أنه قد يزور طهران خلال الأيام المقبلة بهدف مناقشة البرنامج النووي والتفاوض بشأنه، لافتا إلى أنه يتوقع «سياسات مختلفة»، من البيت الأبيض، بعد تنصيب ترامب الذي سبق أن انسحب من الاتفاق الدولي بشأن البرنامج الذري الإيراني عام 2018.
في هذه الأثناء، رأى المرشد الإيراني أن «الجهاد المستمر بقوة في لبنان وغزة سيؤدي لانتصار جبهة الحق»، فيما أعلنت هيئة البث الإسرائيلية أن «الولايات المتحدة نقلت سربا من مقاتلات إف 15 إلى الشرق الأوسط، تحسّباً للهجوم الإيراني».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك