كتب د. محمد دوغان:
لطالما اعتمدت إيران على أذرعها الإقليمية كأدوات لتحقيق نفوذها الاستراتيجي في الشرق الأوسط، حيث شكّلت الجماعات المسلحة والحلفاء السياسيون في دول مثل العراق، لبنان، اليمن، وسوريا ركيزة أساسية لسياستها الخارجية. ومع ذلك، في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة والضغوط الدولية والإقليمية، يبدو أن إيران تواجه تراجعًا في قوة هذه الأذرع وتأثيرها.
في المقابل، تحتفظ إيران بورقة قوية تظل قادرة على استخدامها في مواجهة خصومها: الممرات المائية الاستراتيجية. يتحكم موقعها الجغرافي في مضيق هرمز وباب المندب، وهما شريانان حيويان للتجارة والطاقة العالمية. ومع تراجع أدواتها الأخرى، يتزايد اعتماد إيران على هذه الممرات كوسيلة للضغط أو التصعيد.
ان دعم إيران لإغلاق باب المندب وعدم سعيها المباشر لإغلاق مضيق هرمز يمكن فهمه من خلال عدة اعتبارات استراتيجية وسياسية واقتصادية، حيث تختلف أهمية كل ممر مائي بالنسبة لإيران وحساباتها الدولية.
1. أسباب دعم إيران لإغلاق باب المندب:
• التأثير على خصومها الإقليميين:
o باب المندب يُعتبر ممرًا استراتيجيًا مهمًا لصادرات النفط والسلع من دول الخليج (مثل السعودية والإمارات) إلى الأسواق الأوروبية. أي تهديد لحركة الملاحة هناك سيؤثر بشكل مباشر على اقتصادات خصوم إيران.
• تأثير غير مباشر دون مسؤولية مباشرة:
o إيران لا تتحكم مباشرة في باب المندب، لكنها تدعم جماعات مثل الحوثيين في اليمن الذين يهددون الممر. هذا يسمح لإيران بالتأثير على الوضع دون الدخول في مواجهة مباشرة أو تحمل المسؤولية الكاملة.
• تعزيز نفوذها الإقليمي:
o وجود حلفاء لإيران في اليمن (الحوثيون) يمنحها أداة ضغط إضافية على القوى الإقليمية والدولية، خاصة السعودية والإمارات.
2. لماذا لا تسعى إيران لإغلاق مضيق هرمز؟
• حساسية المضيق لإيران نفسها:
o مضيق هرمز هو شريان حيوي لإيران نفسها. تعتمد إيران على المضيق لتصدير نفطها، رغم العقوبات. أي إغلاق سيضر باقتصادها بشكل كبير.
o إغلاق المضيق قد يؤدي إلى تقويض علاقاتها مع حلفائها الاقتصاديين، مثل الصين والهند.
• التبعات الدولية الخطيرة:
o مضيق هرمز يُعتبر ممرًا عالميًا، وأي محاولة لإغلاقه ستؤدي إلى رد فعل دولي حاسم. من المؤكد أن ذلك سيشعل مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة، التي تعتبر المضيق خطًا أحمر.
• الاستخدام كأداة ردع وليس كفعل مباشر:
o إيران تُلوح بإغلاق مضيق هرمز كأداة ردع في مواجهة التهديدات الدولية، لكنها تتجنب تنفيذه لأنه سيفقدها هذه الورقة إذا فشلت.
• الفارق بين المسؤولية المباشرة وغير المباشرة:
o إذا أغلقت إيران مضيق هرمز بشكل مباشر، فستواجه اتهامات دولية واضحة وربما حربًا واسعة. أما دعم الحوثيين في تهديد باب المندب، فيمكن لإيران أن تدعي عدم مسؤوليتها المباشرة.
3. باب المندب كوسيلة ضغط منخفضة التكلفة:
• التهديد المستمر لحركة الملاحة في باب المندب عبر الحوثيين يكلف إيران أقل من محاولة إغلاق مضيق هرمز، ويحقق لها مكاسب استراتيجية، منها:
o الضغط على السعودية والإمارات.
o تعطيل التجارة الدولية بشكل جزئي دون إثارة رد فعل دولي قوي ضدها.
4. الرسائل السياسية والعسكرية:
• إيران تستخدم باب المندب لتهديد خصومها الإقليميين وتحقيق مكاسب سياسية غير مباشرة.
• في المقابل، يبقى مضيق هرمز ورقة تستخدمها فقط في حالات التهديد الوجودي (مثل الهجوم العسكري المباشر على إيران أو فرض حصار خانق عليها).
إذا تراجع النفوذ الإقليمي لإيران وفقدت أذرعها، ستُركّز على استخدام الممرات المائية كورقة استراتيجية، ولكن هذه الورقة محفوفة بالمخاطر وقد تؤدي إلى مواجهة مباشرة مع القوى الإقليمية والدولية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك