كتب زياد شبيب في "النهار":
صحيح أن التطورات العسكرية ونتائج العدوان المستمر على لبنان تتحكم بالمشهد السياسي المقبل الذي بدأ ارتسامه تدريجياً، وأنه على رغم النفي العلني من طرف فريق لا يرغب بالظهور بمظهر المستفيد في السياسة من تدمير قدرات وبالتالي دور الفريق الخصم على يد العدو والظهور بالتالي بمظهر المتماهي مع أهداف هذا الأخير، وعلى الرغم أيضاً من إصرار الفريق المستهدف في قدراته ودوره بشكل مباشر من العدوان على ممارسة الإنكار المتلازم مع مزيد من الاتهام والتخوين بحق الفريق الآخر وعلى القول بأن نتائج الميدان الحاصلة حتى الآن لن تنعكس أو تترجم في السياسة، على رغم هذه المقولة وتلك فإنه من الثابت بأنه سوف يكون للإيقاع الذي تأخذه التطورات الحربية الميدانية الأثر الكبير والمباشر على الصورة التي ستتخذها المؤسسات السياسية المفترض إعادة تكوينها بدءاً برئاسة الجمهورية والحكومة وسياساتها وصولاً إلى جميع مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الجيش الذي سيكون حجر الأساس الذي لا يمكن من دونه التفكير ببناء المرحلة المقبلة.
هذا وقد أصبح بالإمكان القول بأن المشهد السياسي المقبل سيحكمه الحسم الذي حصل بالفعل على المستوى الفكري والذي تكونت معالمه الأساسية منذ الآن ومن دون الحاجة إلى مزيد من الانتظار والدماء والدمار. ذلك أن المنظومات الفكرية والسياسية التي جهدت جهات معنية على مدى السنوات وحتى العقود الماضية في التنظير لإمكانية وشرعية وجود كيانات تدافع عن الوطن ولا تكون من صلب المؤسسات التي تتكون منها الدولة بمعناها الأصلي والبسيط ، قد تلاشت بفعل النتائج التي انتهت إليها في الميدان بعد أن ثبت أن تلك المنطلقات قد تعثرت ومن ثم عجزت عن إثبات النتائج التي نادت بها.
يتزامن الوصول إلى هذه الخلاصات مع واقع يحصل للمرة الأولى في لبنان منذ عقود طويلة وهو أنه لا يوجد اليوم من هو معد لأن يملأ الفراغ الذي يتكون بنتيجة الأحداث الحالية سوى الدولة ممثلة بالجيش. والفراغ الذي ترفضه قوانين الطبيعة، قد شكله تنازل الدولة المزمن والمستمر منذ أكثر من خمسة عقود، عن دورها المتمثل بأن تكون الضامن والحامي الوحيد لسلامة الوطن والأرض.
التنازل حصل بدايةً في العام ١٩٦٩ بموجب اتفاق القاهرة الذي وقع بين الدولة اللبنانية ممثلة بقائد الجيش آنذاك إميل البستاني ومنظمة التحرير الفلسطينية والذي نظم الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان وأجاز له ممارسة الأعمال الحربية لتحرير فلسطين من الأراضي اللبنانية، وذلك على اثر الصدامات التي حصلت بين القوى النظامية اللبنانية والمسلحين الفلسطينيين.
العماد بستاني نفّذ قرار السلطة السياسية المتمثلة برئيس الجمهورية شارل حلو الذي استحصل للغاية على موافقة مجلس الوزراء على هذا الاتفاق دون أن يطلعه عليه واعتمدت الطريقة نفسها امام مجلس النواب الذي وافق على الاتفاق دون الاطلاع عليه. وقد استخدم نص المادة ٥٢ من الدستور الذي أجاز اللجوء الى طابع السرية للاتفاق، للتهرب من الرقابة البرلمانية على دستورية المعاهدة، ولتمرير خرق الدستور في المضمون عبر التنازل عن السيادة.
ألغي اتفاق القاهرة في العام ۱۹۸۷ بموجب القانون رقم ۲٥ تاريخ ۱۹۸۷/٦/١٥ الذي ألغى أيضاً قانون الإجازة للحكومة إبرام اتفاق ۱۷ أيار ۱۹۸۳ ، لكن مفاعيله استمرت حتى اليوم ولم يقم الجيش باستعادة السيادة التي انتقلت من منظمة التحرير إلى آخرين توالوا على السيطرة على سيادة لبنان عبر قراره الدفاعي. واليوم لا يوجد سوى الجيش صاحب الأرض معداً لذلك، ويعتبر تسليحه أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وقيادته مدعوة إلى إبطال مفاعيل اتفاق القاهرة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك