أكد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، في رسالة الجمعة، أنه "لا شك أن الدم والمظلومية وقيمة الإنسان أكبر أولويات الله تعالى، وأنّ كل الخليقة مطالبة بحفظ وبإنقاذ وحماية الإنسان ورفع مظلوميته بغض النظر عن لونه وعرقه وجنسه ولغته وهويته وملته".
وقال: "لأنّ العدالة الدولية لا تتمّ إلا بقطع الظلم والفساد كمظهر من مظاهر الشيطان وطبائع شره فقد قال الله تعالى: (قَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ)، أي قادته وأئمة ظلمه وفساده وعدوانه، وبخلفية هذا المعنى سمّى الله الظلم "كفراً" وقال: (قَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ)، وبذلك أوجب الله على خلقه ورعيته تأمين وعي القدرات والإمكانات لتأكيد هويتهم الأخلاقية والإنسانية بسياق علاقتهم السليمة بهذا الوجود وربّه الكريم، بما في ذلك هوية القتال الواجب في وجه الظلمة والقتلة والمجرمين، وهو عين منطق الفطرة والأخلاقيات الجامعة للخليقة التي تكره الظلم وترفضه وتمقته. والقضية هنا تدور مدار مواجهة الظلم ونزع أنياب الطغيان العالمي والإقليمي، وهي بواقع غزة ولبنان قضية تطال كل ضمير عالمي وفطرة إنسانية، وتنال من كل قادر ممتنع، وهو الدافع الرئيسي لنصرة المظلومين وإغاثتهم، والكثرة كثرة بالحق، والقلة قلة بالحق، والقيمة للحق بما هو حق، وللإنسان بما هو إنسان، وقيمة الدين ورسالة الأنبياء من قيمة الإنسان وحفظه ونجدة قضاياه ورفع مظلوميته ووضع حد لمعاناته الإجتماعية والوجودية، لذا فإن الدين الذي لا ينصر مظلوماً أو لا يتجند لقمع الطغيان لا قيمة له عند الله، والمحسوم أنّ الأنبياء بُعِثُوا بإنقاذ الإنسان من وثن الظلم والطغيان والتيه الفكري والمشاريع الفاسدة والبيئات الضالة، واللحظة اليوم للإنسان المعذّب ببعد النظر عن دينه ولونه وملته، وفي هذا المجال منطق العدالة الكونية والطبيعة الإنسانية يفترض نصرة الخيار المقاوم في كل موطن فيه معذّب ومظلوم ومضطهد ومقهور، هنا بالذات تصبح الطائفة طائفة بالله، ويصبح الحق بالله تعالى، وبخلفية هذه الحقيقة لا قيمة للمعبد الذي يدعو لله ولا يدعو لنصرة خلقه المعذبين، وهنا بالذات تكمن محنة هذا العالم بما في ذلك المنظمات الأممية والكيانات الحقوقية والإنسانية فضلاً عن الدول والمنظمات الحكومية، وبهذا السياق تبدو مقاومة غزة ولبنان وكل إطار مقاوم جزءاً من صوت الله وراية من راياته، والخيار هنا الإنسان بمنظار الله بعيداً عن الهوية السياسية والطائفة الدينية، والواضح جداً أن العدالة الدولية غير موجودة في غزة ولبنان وباقي مناطق العالم التي تعاني من طغيان واشنطن والغرب وتل أبيب وكافة القوى الظالمة، وموقفنا نصرة الأرض والشراكة والبلد والناس، والمرحلة الحالية تتطلب اتخاذ قرارات حاسمة، ونهاية هذه الحرب الأخطر باتت واضحة، والتسوية تمّت ولا ينقصها إلا لمسة أخيرة".
وأضاف: "الوقت الآن للتضامن الوطني، واللحظة للنهوض معاً، ولا مصلحة فوق مصلحة لبنان وسيادته وشراكته الإسلامية المسيحية، ولا نصر فوق نصرة لبنان وقراره الوطني وموقعه التاريخي، والرابح في هذه الحرب لبنان بطوائفه ومشروعه السياسي وعائلته اللبنانية، والخاسر إسرائيل ومشروعها التوسعي وأهداف حربها المدججة بأخطر ترسانة أطلسية، وللدولة أقول: لم يشهد لبنان نزوحاً بهذا الحجم منذ نشأته، والطائفة الشيعية طائفة وطنية بامتياز، ووفية بلا حدود، وعطاءاتها لهذا البلد لا نهاية لها، وللأسف بعض الوزارات والهيئات لم تكن موجودة عمداً، والخيبة لمن يخون البلد والناس، وللبعض أقول: الكرامة والهوية الوطنية توجدان معاً، وثمن الهوية الوطنية كبير جداً، والتضحيات بحجم القيمة الوطنية والهوية الأخلاقية والسياسية، وقدرات الدعاية والحرب النفسية يجب أن تتضامن ضد المحتل لا ضد من يحمي البلد والناس، وإذا أردنا أن نعرف ماذا يجري بمفاوضات إطلاق النار يجب أن نعرف ماذا يجري في الميدان، ومن يتجاهل وجود المقاومة وعظمة حضورها وعطائها يسقط بالحسابات الوطنية، وللتاريخ أقول: لم يمر على لبنان مقاومة بهذه الهمّة والتضحية والقدرة والضمان الوطني، وضمن هذا السياق يفترض أدلجة الإعلام والمواقف لصالح لبنان لا لصالح العدو، والربح الوطني يخص لبنان كله، والسيادة الوطنية وتضحياتها مربح أكيد للشراكة الوطنية وكافة الطوائف العزيزة، ولا للمقامرة ولا للمقاطعة ولا للعداوة والأحقاد، والتلاقي السياسي ضرورة للإنقاذ الشامل، ونتفهم الخصومات السياسية لكن ليس على حساب السيادة والمصلحة الوطنية، واليوم نهاية حرب إن شاء الله وغداً بناء وتدشين لورشة سياسية تنتهي بتسوية رئاسية تليق ببلد تكاتفت عليه أكبر قوى الأطلسي فصمد وثبت وقاتل في سبيل تأمين السيادة الوطنية ومشروعها السياسي، واللحظة لشكر المقاومة ومقاتليها السياديين والشعب اللبناني الذي نهض بأكبر إمكاناته الإغاثية، والشكر موصول للكنسية التي فتحت أبوابها والمسجد الذي تخضّب بشرف التضحيات، ولأصحاب المدارس وأماكن الإيواء والسخاء الذين شاركوا هذا البلد عزة العطاء".
وتابع: "للقوى السياسية أقول: نحن عائلة وطنية وشراكة تاريخية والبلد بلدنا والناس ناسنا والمستقبل لنا جميعاً، والرئيس نبيه بري قيمة وطنية وضمانة نادرة للخروج بتسوية رئاسية تليق بشراكة هذا البلد العزيز، والشكر للرئيس نجيب ميقاتي ووليد جنبلاط الذي سيّج السلم الأهلي بأهم موقف وطني وسط أخطر لحظة مصيرية، والشكر للقيادات السياسية والروحية التي ساهمت بحظّها من الواجب الوطني الكبير، والشكر العميق للشارع المسيحي وقاماته الوطنية سيما الأخ العزيز سليمان فرنجية، وتطول اللائحة، ولا أنسى الطريق الجديدة ولهفتها وصيدا ومحبتها والشمال ونخوته الوطنية وجبل محسن بكل إحسانه، وجبل لبنان بكرمه وحميته وشرفه، وشكراً للبنان الشراكة الوطنية والطائفة اللبنانية الواحدة".
وختم قبلان: "اليوم دفاع وصمود وتضحيات وملحمة تضامن وغداً تاريخ جديد لوطن تخضّب وانتصر ولم تهزمه ترسانة الأطلسي وأكبر حروب تل أبيب، ولبنان يولد من جديد، والعين على وحدته الوطنية ونهضته السياسية وتضحياته السيادية، ولا شرف أكبر من الملحمة الوطنية التي قدّمها شعب لبنان ومقاومته".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك