كتب محمد شقير في "الشرق الأوسط":
استهداف «حزب الله» لضواحي حيفا في رده على اغتيال إسرائيل عدداً من قياداته وكوادره العسكرية في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، لم يؤدِّ إلى تغيير قواعد الاشتباك وإسقاط الخطوط الحمراء، على غرار ما فعلته بقتل وجرح العشرات من المدنيين، بمقدار ما أنه أراد بقصفه لضواحيها إرساء قاعدة جديدة تقوم على أن قصف الضاحية يستدعي الرد بالمثل باستهداف الضواحي المحيطة بحيفا، مع فارق أساسي يتعلق بعدم استهدافه المدنيين، وحصر ردّه بتوجيه ضربات صاروخية لعدد من منشآتها العسكرية، ومن بينها المطار الذي انطلقت منه الطائرة الحربية التي قصفت المبنى الذي يضم الملجأ الذي كان يشغله أبرز الوجوه العسكرية في الحزب.
فإسرائيل كانت قد استبقت رد الحزب بشن مئات الغارات على امتداد يومين، مستهدفة القرى الجنوبية الأمامية والأخرى الواقعة في عمق الجنوب، وذلك في سياق الخطة التي وضعها رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بتغيير الوضع على الأرض لضمان عودة المستوطنين إلى أماكن سكنهم في الشمال الإسرائيلي، بخلاف الرأي السائد لدى المجتمع الدولي بأن لا مجال لعودتهم إلا بالتوصل إلى وقف النار في الجنوب، كشرط لتهدئة الوضع على امتداد الجبهة الشمالية.
ضواحي حيفا مقابل ضاحية بيروت
لكن نتنياهو يصر على فرض أمر واقع بتحويل منطقة جنوب الليطاني إلى أرض محروقة غير صالحة للسكن من جهة، وبضرب البنى التحتية العسكرية لـ«حزب الله» ومؤسساته، ومواصلة اغتياله العدد الأكبر من قياداته وكوادره العسكرية، بما يفرض على الحزب التسليم بشروطه دون أي مقابل من جهة ثانية، وهذا ما يفسر مئات الغارات التي شنها الطيران الحربي الإسرائيلي، واستهدفت البلدات الحدودية، وامتدت إلى تلك الواقعة في عمق الجنوب، والتي جاءت فور تنفيذ الغارة على الضاحية الجنوبية وفي أعقاب تفخيخها أجهزة اتصالات الحزب من «بيجر» ولا سلكية.
ويراهن نتنياهو، كما تقول مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، على أن الحزب بحاجة إلى وقت مديد للخروج من الصدمات التي أصابته، سواء باغتيال هذا العدد من قياداته وكوادره العسكرية، أو تفجير أجهزته الخاصة بشبكة اتصالاته. ويرى أن الظروف مواتية للمضي في إنهاك الحزب على نحو يؤدي إلى شل قدراته القتالية، ولم يعد أمامه سوى الانصراف إلى إعادة ترتيب أوضاعه الداخلية.
لكن الحزب، رغم حجم الصدمة التي أصابته، بادر للرد على كل هذه الاغتيالات باستهدافه ضواحي حيفا، لتمرير رسالة بأن لديه من القدرات والكفاءات ما يسمح بملء الفراغ، رغم أن مسلسل اغتيال قياداته وكوادره العسكرية أفقده ما لدى هؤلاء من خبرات قتالية كانت وراء تطوير إمكاناته وتعزيزها بأسلحة متطورة.
نتنياهو يسعى لاستدراج «حزب الله»
وإذ تستبعد المصادر الدبلوماسية قيام نتنياهو باحتلال جزء من الجنوب أو فصله عن البقاع بسيطرة الجيش الإسرائيلي على الطريق البقاعية المؤدية إلى سوريا، لفرض حصار يمنع إيصال الإمدادات العسكرية إلى وحداته القتالية في الجنوب، فإنها ترجح في المقابل أنه لا يزال يراهن على استدراج الحزب للانزلاق نحو الحرب المفتوحة، بما يسمح له بالتحريض عليه دولياً من ناحية، وجر الولايات المتحدة الأميركية للدخول في صدام مع إيران على خلفية أن أذرعها في المنطقة، بقيادة القوة الضاربة المتمثلة بالحزب، هي من تهدد الاستقرار، وتعمل على زعزعته.
إلا أن واشنطن لن تلتفت إلى التحريض الإسرائيلي على طهران، ما دام التواصل بينهما، بحسب المصادر نفسها، لم ينقطع، وأن الأخيرة تراهن على فوز المرشحة كامالا هاريس على منافسها الرئاسي الرئيس السابق دونالد ترمب، ليكون في وسعها تطوير الحوار لإعادة ترتيب العلاقة بين البلدين، وهذا ما يفسر تقاطعهما على استيعاب التأزم في المنطقة.
بري: لن نقع في فخ نتنياهو
لكن رهان نتنياهو على استدراج الحزب ليبادر إلى توسيع الحرب ليس في محله، وسيكتشف أن رهانه لن يلقى التجاوب، وهذا ما أكده رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بقوله لـ«الشرق الأوسط» إن نتنياهو يستمر في تحويله البلدات الجنوبية إلى أرض محروقة غير مأهولة يصعب العيش فيها بإتلافه مساحاتها الخضراء الصالحة للزراعة بالقنابل الفوسفورية الحارقة، وتدمير المنازل وتسويتها بالأرض، وقتل المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ ومسعفين وعاملين في القطاع الصحي، و«نحن من جانبنا لا نريد الحرب ولن ننزلق إليها، لكن من حقنا الدفاع عن النفس بكل ما أوتينا من قوة وإمكانات، ولن ندّخر جهداً لتأمين مقومات الصمود لأهلنا في الجنوب لمنع إسرائيل من تهجيرهم».
واتهم بري نتنياهو بأنه يضغط بالنار لجر لبنان والمنطقة لحرب كبرى، و«نحن من جانبنا لن ننجر، ولن نقع في الفخ الإسرائيلي، لا بل سنقاوم مخططه، ونتمسك بقواعد الاشتباك، ونطالب بتطبيق القرار 1701، وما على المجتمع الدولي إلا الضغط لتطبيقه على جانبي الحدود بإلزام إسرائيل بوقف خرقها الأجواء اللبنانية، ونطالب الولايات المتحدة الأميركية بأن تمارس الضغط الكافي على نتنياهو لوقف عدوانه على لبنان، بدلاً من أن تتركه يبتزها، ويشل قدرتها على التحرك لوقف العدوان، ويتفلّت من الضغوط لوقف العدوان، وهو يستغل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الذي يدفع واشنطن إلى التردد في حسم موقفها للقيام بالضغط المطلوب، وضمان وقف النار، والشروع بوضع تطبيق القرار 1701 على نار حامية».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك