كتبت منال شعيا في "النهار":
بالتأكيد، لن يتكل النواب الأربعة الذين تعود جذورهم الى "التيار الوطني الحر" على إنجيل متى فحسب، بل بات عندهم "شبه تصوّر واضح" لإطار أو لآلية عمل خلال المرحلة المقبلة.
هذه الآلية حرص النواب الياس بو صعب وإبرهيم كنعان وسيمون أبي رميا وآلان عون على أن يفتتحوها من الديمان، للإعلان أنهم "تحت سقف بكركي وحدها" وعباءة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي. من الشكل الى المضمون، حرصوا على أن تكون خطوتهم الأولى في اتجاه بكركي، للقول بعد صمت طويل، إنهم ليسوا "أقرب الى حزب الله ولا الى المعارضة، بل أقرب الى لبنان".
في معلومات "النهار" إن "الانطلاقة تمت امس، على أن يعقد، خلال الأسابيع المقبلة، لقاء تشاوري نيابي يضمّ عدداً من النواب (مسيحيين وغير مسيحيين)، يمكن أن يتلاقوا حول أفكار جامعة للخروج من الحلقة المقفلة".
وفي أجواء اللقاء، لم يتحدّث أحد من النواب الأربعة "بالشخصي" عمّا تعرض له. لم يحمّلوا البطريرك هذا الوزر، لكن بدا لافتاً تأكيد الراعي خلال اللقاء "عنوانَي الشركة والمحبة كأساس لعمل أي مجموعة"، فكان تشديد من جانب النواب على "ضرورة تأمين الشراكة باتخاذ القرار داخل أي عمل جماعي".
وفق النواب الأربعة، فإن "تحركهم يتلاقى مع دعوات بكركي المتكررة لفتح باب الحل، إذ سبق للبطريرك مراراً أن طلب من النواب إحداث حالة ضغط، وهم أرادوا ملاقاته في هذه الخطوة بعيداً عن العباءة الحزبية، فأكدوا ضرورة خلق حالة وطنية تجسّدها بكركي كموقع مسيحي – وطني، وأنهم يستظلون ثوابتها فقط".
في الإطار الشكلي، هي الإطلالة الأولى المنسّقة والجامعة للنواب الأربعة معاً. وفي المضمون، كلامهم المقتضب جاء أكثر من معبّر. سريعاً، وفي أول كلام علني له، قال آلان عون، رداً على من يتهمهم بقلة الوفاء إن "قليلي الوفاء وخائني الأمانة هم من يتناولوننا بالسوء، وأدعوهم إلى الصلاة والتأمّل لأنّ عملنا وطني". أما كنعان فاعتبر أن "الوفاء هو للقضية. نحن لا نزال في مكاننا ولم نتغير".
خرق رئاسي
نحو ساعة، استمر اللقاء الذي تلاه غداء، فكان بيان مشترك تلاه كنعان قائلاً: "حراكنا يتخطّى الأشخاص والمصالح الشخصية الى دعوة للقاء مع الجميع حول مجموعة من الخطوات بعيداً من كل التراكمات الماضية، لأنه لا يمكن بناء مستقبل مشترك بروحية التفرقة والتشرذم والأحقاد والتخوين بين اللبنانيين والإخوة والشركاء بالوطن".
أبعد من اللقاء، بات واضحاً أن للنواب الأربعة نهجاً قد يعتمدونه، أقلّه في الفترة القريبة، يستند إلى محاور سياسية جامعة.
وقد علمت "النهار" أن هذه العناوين تنقسم على محاور عدة، أهمها: "الملف الاقتصادي – المالي، الحضور الخارجي للبنان، إعادة تكوين المؤسسات، إن كانت القضائية أو التربوية وغيرها، ولكن سكة العمل هذه لن تبدأ قبل الخرق الرئاسي الذي يستتبع حكماً تشكيل حكومة جديدة نحو الانطلاقة".
ولعلّها مفارقة مقصودة، أن يختصر البيان بعبارة "الخرق الرئاسي"، ومن الديمان بالذات، خوفاً من أي تطبّع مع الفراغ الرئاسي الذي يدخل عامه الثاني، إذ أشار البيان الى أن "الخرق الأول المطلوب هو الخرق الرئاسي من خلال تحالف وطني نسعى لتحقيقه لإنقاذ لبنان من حالة الفوضى والانهيار الحاصل وإعادة تكوين السلطة وانطلاقة جديدة على كل المستويات".
نواة مسيحية
النواب الأربعة أتوا لأخذ "بركة بكركي وسيدها"، وكأنهم يوحون أنهم يسعون الى خلق "ديناميكية مسيحية" أولاً، فوطنية، وسط الفراغ القاتل أو "الانتحار الجماعي" الذي يهدّد البلاد.
وفق المعلومات إن "إطار أو آلية العمل التي حدّدها هؤلاء، أقله ضمن مسودة خطة للمرحلة المستقبلية، تهدف الى الانتقال من نواة مسيحية جامعة حول ثوابت بكركي، نحو تواصل أكبر".
وفي تصورهم إنهم يريدون "الوصول الى تكوين حالة إنقاذية، لأن المسألة باتت أكبر من كونها حزبية أو طائفية"، فهم سبق لهم أن عقدوا اجتماعات تنسيقية بعضهم بين بعض، آخرها كان يوم الثلثاء الماضي بهدف التحضير للقاء البطريرك، على أن تتلاحق اجتماعاتهم لاحقاً وبشكل دوري، في سبيل تشكيل هذه النواة.
وإذ يتكتمون الآن عن الأسماء التي قد تجمعهم ضمن هذا الإطار المشترك، فإنه بات من المرجّح أن ثمة أسماءً ليست ببعيدة عنهم كالنائبين نعمت افرام وميشال ضاهر، وإن كان الدخول في لعبة الأسماء ليس الحلقة الأولى الملحّة بالنسبة إليهم.
"ما هو ملّح"، بنظرهم، هو "الاتفاق على خريطة العمل في ما يشبه حالة إنقاذية".
قالها كنعان: "لن نتفرّج على الانتحار الجماعي على كل المستويات: السياسية، المالية وحتى الكيانية. هدفنا من خلال حركتنا التي ستتبلور تباعاً خلق ديناميكية داخلية مسيحية - وطنية تحدث خرقاً في المشهد المقفل".
لن يحرق النواب الأربعة المراحل، ولن يعلنوا كل ما في جعبتهم من اللقاء الأول، والتحضيرات تتكثف اليوم لـ"اللقاء التشاوري النيابي"، إذ هم اليوم لن يعلنوا عن أي كتلة نيابية أو تكتل جامع، ولا بالطبع عن أي إطار حزبي، بل أطلقوا صفارة العمل، بعيداً عن "التيار الوطني" أو "تكتل لبنان القوي"، للانطلاق في ما يشبه "لقاء الإنقاذ"، وفق تصورهم، مشددين على أنهم "ليسوا مع أي طرف بل مع الوطن". هي كلمات رددوها مراراً، أمس: "لسنا في جيب أحد". وبذلك، هم حاولوا جاهدين قطع الطريق أمام التأويلات أو التموضعات التي صنّفتهم في خانة معينة، بعد الانفصال الحزبي العوني، عبر تسريبات فيديوات وغيرها، فكان ردهم بتأكيد "العمل وفق ثوابت بكركي، ولا سيما لجهة ما يتصل بالحرب أو بحياد لبنان".
كنعان أعلن "أننا في حالة عجز تحدّ من قدرتنا على التأثير أو على الحلول، فتضعنا تحت رحمة تسوية خارجية لا رأي لنا فيها أو تأثير"، وبالتالي لا بد أمام هذا الواقع من "خلق دينامية مسيحية وطنية".
هو "خطر كياني"، يتطلب تخطي "كل الاعتبارات الأخرى الخاصة والفئوية". أمس، خطا النواب الأربعة خطوتهم الى الأمام، بعيداً عن الإطار الحزبي، فهل يُكتب لمشوارهم النجاح؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك