كتب داني حداد في موقع mtv:
ترافقك المفاجآت في مبنى وزارة الطاقة والمياه. عنصرٌ واحد من قوى الأمن يقف عند المدخل، ويشير لك إلى مكان السلالم لتصعد الى مكتب الوزير. "ما في كهربا" يقول العسكري. لا كهرباء في وزارة الكهرباء. تخرج بعنوانٍ للمقابلة قبل أن تجريها. تستخدم إنارة الهاتف على الدرج المعتم، لتصل إلى الطابق الثاني. هناك تستقبلك امرأة تشكّل العلامة الفارقة في وزارة يتولّاها وزيرٌ كسر الصورة النمطيّة عن الوزراء في لبنان.
قبل أن ندخل الى مكتب الوزير وليد فيّاض، نستغلّ فرصة الجلوس مع المرأة الثمانينيّة التي ترتدي لباس الحداد على وفاة شقيقتها. والدة الوزير السيّدة يولا يده اليمنى في الوزارة. نكاد نقول، إن شئنا الدقّة، عينَيه وجزءاً من العقل والضمير.
حين يجلس الوزير في مكتبه، بين اجتماعٍ ومقابلة وتوقيع بريد، تنتقل والدته من مكتبٍ الى آخر في الوزارة. تراقب، تتدخّل، تسأل، وتفتخر بأنّها جعلت المياه التي تتسرّب من حنفيّة الفساد كالخيط الرفيع، بعد أن كانت كالشلّال.
تفاخر المرأة التي لوت السنوات ظهرها بأنّ يدي ابنها نظيفتين. تكرّر الأمر مراراً في جلسةٍ قصيرة تحدّثت فيها عن حبّها للشأن العام وللسياسة والثقافة والعلم، حتى درست خمسة اختصاصات جامعيّة. وتروي أنّها شجّعت نجلها على تولّي الوزارة، مع علمها بأنّ الإنجاز صعب والخروج الى الإنارة الكاملة مستحيل.
هي تنزعج ممّن ينتقد ابنها. تشدّ على قصاصة ورق عجنتها بيديها المجعّدتين وهي تتحدّث عن ظلمٍ لحق به، خصوصاً من الإعلام. وتعترف بأنّ ابنها "بيجيب الدبّ عَ كرمو" أحياناً، "لأنّه لا يعرف كثيراً طبيعة لبنان وكيفيّة التعاطي مع البعض فيه، ويتعامل مع الناس ببراءة ومن دون نيّاتٍ سيئة".
يطول الحديث مع السيّدة التي لا تفوتها الإشارة الى أنّها حاضرة ذهنيّاً، على الرغم من تقدّمها في العمر وبأنّها تستيقظ وتقرأ الصحف وترسل لابنها ما يجب أن يقرأه، ثمّ تأتي إلى الوزارة بـ "السرفيس". تقول: لا سائق ولا سيّارة لديّ، "وما بقعد ورا وبعرّم". ثمّ تقول إنّ زوجها التسعينيّ يعمل يوميّاً ولا يستسلم أيٌّ منهما لسنوات عمرهما المتراكمة، وقد شهدت عليها تجاعيد وجهها ويدَيها.
ينتهي الحديث مع والدة الوزير وليد فيّاض، وقد أعطت فيه، بصراحة، رأيها بشخصيّاتٍ عامّة وبالوزارة، بين الماضي والحاضر. هي امرأةٌ استثنائيّة، بالتأكيد. تعترف بأنّ لا صفة لها في الوزارة، ولا مكتب لديها ولا راتب. هي أمّ الوزير التي تتجادل معه في كثيرٍ من الأحيان، وتنتقده حين يلزم. نقول لها: "هلأ عرفنا ليه الوزير اوريجينال".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك