جاء في "النهار":
هو أعطى لنفسه مهلة أسبوع، أم منح "التيار الوطني الحر" وقتاً مستقطعاً إضافياً "لإعادة الشمل"؟ حتى الآن، لم يفعلها النائب إبراهيم كنعان. لم يقدّم استقالته. بعد أكثر من أسبوع، تكلّم بعدما صمت، على إقالة النائب زميله آلان عون، ثم استقالة زميله الآخر النائب سيمون أبي رميا. هو لم يعتد الابتعاد عن الإعلام، لكنه غاب نحو أسبوعين، رافضاً إعطاء أي توضيحات حول مصيره الحزبي. فكأنه "اختلى بنفسه"، ولم يأخذ أي قرار "على نار حامية"، ثم عقد مؤتمراً صحافياً " ليتكلم مع الناس أولاً بعد التساؤلات الكثيرة"، كما قال. تعددت التحليلات والتأويلات، وكأنه يريد مرة جديدة، "الابتعاد عن الكأس المرّة".
قطع الطريق، أقله الى الآن: "نتكلم، على ضوء المرحلة المقبلة. أنا اليوم في مبادرة، ولا كلام عن استقالات".
لم يخرح كنعان بعد من "التيار". عشية مؤتمره، سرى كلام كثير عن أن "قرار إسقاط عضويته اتُّخذ، بعدما تغيّب ثلاث مرات عن حضور اجتماعات المجلس السياسي لحزب التيار الوطني الحر"، فأراد أن يقطع الطريق أمام هذا الموقف الحزبي من القيادة، معلناً "مبادرة ما"، ومعطياً لنفسه ولـ"التيار" فرصة أخرى، أخيرة، "للملمة البيت الداخلي".هو اعترف قائلاً: "صحيح أنني لم أؤمّن حضوراً في المجلس السياسي للحزب، لكن كنت أعوّضه بحضور اجتماعات تكتل لبنان القوي، ثم إن النظام لا يتكلم عن فصل بل عن إسقاط عضوية". مسعى أخير... ولكن؟ بعيداً عن التكهنات، تكلم كنعان ليقترح "مسعى أخيراً" يقوم على "التراجع عن قرارات الفصل والاستقالات"، "للحفاظ على دور التيار ووحدته وثقله النيابي".وهو قالها علناً: "مسعى أخير"، معطياً مهلة "أسبوع لإعادة الحوار الداخلي بين أبناء البيت الواحد". عملياً، يقوم هذا المسعى على خطوات خمس، فنّدها كنعان كالآتي: "أولاً، التراجع عن كلّ المواقف والقرارات المسبقة من فصل واستقالات وإحالات مسلكية.
ثانياً، وقف الحملات الإعلامية بين أبناء البيت الواحد.ثالثاً، إعطاء مهلة أسبوع لحل إشكالية الالتزام من خلال حوار مباشر يجب أن يبدأ بالتفاهم على سقفه ومضمونه، وهو برأيي التزام نهج التيار ومبادئه أولاً، قبل أي أمر تقني أو نظامي أو شكلي آخر، لأن المبادئ تعلو فوق النظم الإدارية. رابعاً، التزام القرارات الحزبية وفقاً لآلية ديموقراطية واضحة وشفافة تتخطى الشكليات، إلى المشاركة الفعلية في اتخاذ القرار.خامساً، عودة الجميع إلى المؤسسة الحزبية والمشاركة في اجتماعاتها وعقد خلوة للتكتل النيابي تضع الخطوط العريضة للأولويات السياسية والوطنية في المرحلة المقبلة كما اعتدنا عليه منذ نشأتنا". وفي هذه المحاور الخمسة، "اعتراف ضمني" بأن ثمة خلافاً حول مفهوم "الالتزام"، وآليات النظام الداخلي، لكن كنعان أراد تجاوز هذين الأمرين، لأن "الثوابت" أعلى من "التقنيات"، وكأنه أوحى أن لا مشكلة في معنى الالتزام، لأنه لا خلاف على الثوابت والمبادئ، وقالها علناً: "ومن يريد في الأساس أن يخرج من النظام؟ إن النظام لم يعمل كي يكبّلنا". وكأن لا أحد يشكك في روحية الالتزام عند أحد من "التياريين".وهو بذلك، تجاوز أيضاً "الأحادية"، و"التفرد بالقرار"، وكل هذه العبارات المنتقدة، بل اختار عبارة جوهرية للبابا فرنسيس يقول فيها: "أن نسير معاً"، لأن "لا أحد يمكنُه أن يدّعي معرفةَ الطريق وحده ولا أن يدّعي أنه يعرفُ الهدف. وبمعنى آخر، معاً يمكنُنا أن نعرفَ الطريقَ وإلى أين نسير".ففي الأساس، من يطلق مبادرة أو يدعو الى المصالحة، لا يمكنه أن يتحدث عن العيوب، بل يريد أن يترك الباب مفتوحاً. وكنعان ترك الباب مشرّعاً أمام فئتين من "التيار الوطني".
الفئة الأولى، القيادة حين دعا الى "العودة عن الإقالات". الفئة الثانية، من تقدّم باستقالته من الحزب، حين طالبهم بالعودة.فهل ستستجيب الفئتان كي ينجح "المسعى الأخير"؟على خط القيادة، لا كلام بعد، ولا تأكيد علنياً أنها "بالفعل أخذت قراراً بإسقاط عضوية كنعان". وفي أي حال، لم تنفِ أيضاً!وعلى خط المفصولين والمستقيلين، "لا تعليق". فعون وأبي رميا لم يتكلما إعلامياً بعد، ولم يعلقا على المؤتمر، وإن كان موقف كنعان قد يؤسّس لكلام آخر، ولا سيما حين تنقضي مهلة الأسبوع، وتكرّ المؤتمرات الصحافية.
تجارب فاشلة "سمّوها ما شئتم، مبادرة أو حوار داخلي"، يقول كنعان الذي يحرص على ألا يضع نفسه في موقع "شيخ صلح"، بل أن يكون له "شرف المحاولة". يتدارك: "عملت واجباتي. أنا مؤمن بأن الفشل ليس هو المقياس، لكن المشكلة في عدم المحاولة".اكن كنعان حاول أكثر من مرة. هو كشف عن الكتاب الذي وجهه الى رئاسة "التيار" في نيسان 2024، بعد فصل النائب الياس بو صعب، داعياً فيه الى "الروحية نفسها" عبر "الحوار الداخلي والتفاهم". لكن، لم يكتب للمحاولة النجاح، وإلا لما استقال أبي رميا وفُصل آلان عون!وقبل ذلك بكثير.ففي عام 2015، وقبيل الانتخابات الحزبية، ذكّر كنعان بأنه قام "بمبادرة أخرجت التيار من حالة الانقسام الحاد التي كان يمكن أن يصل إليها وأدّت إلى تزكية جبران باسيل بالتنسيق مع الرئيس العماد ميشال عون".أما في عام 2016، فكان صاحب شعار: "أوعا خيّك"، حين خاط التفاهم الشهير بين "التيار" و"القوات اللبنانية"، وصاغ هو والنائب "القواتي" ملحم رياشي بنود التفاهم التي لم يطبق شيء منها، سوى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية! أراد كنعان أن يذكّر "بكل هذه المسيرة"، فهو "النائب العتيق" و"المشرّع" الذي واظب على رئاسة لجنة المال والموازنة لأعوام، فرسّخ لنفسه موقعاً نيابياً، وحمّله في المقابل ثقلاً كبيراً، لا يريد التخلي عنه بسهولة.وما لم يُقل بعد في الإعلام، أن سفينة "التيار" كادت تغرق، قبيل جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، وهي للمفارقة، الجلسة الأخيرة التي عُقدت وكانت في 14 حزيران 2023. يومها، طاف الى العلن اعتراض نواب ثلاثة من التكتل على التقاطع على اسم المرشح جهاد أزعور. والمفارقة أيضاً أن النواب الثلاثة كانوا آلان عون وسيمون أبي رميا وكنعان. الأول أخرج. الثاني استقال. والثالث لا يزال يريد العودة الى "حوار جدّي وعميق يجمع بين الأصول والقواعد الحزبية من جهة، والتضامن والوحدة من جهة أخرى"، وكأنه لا يزال في منزلة بين المنزلتين. يومها، عُقد لقاء "تاريخي" بين كنعان ورئيس "التيار" جبران باسيل. بقي بعيداً عن الإعلام، لكنه اعتبر "لقاء الزمالة لا لقاء بين رئيس حزب وحزبي". ويومها، نجح كنعان في "تقطيع الوقت" بعد وساطة لعبها بين باسيل والآخرين، لئلا يظهر الخلاف قوياً الى العلن نجح... لأقل من عام، فكان أن انفصل عون وأبي رميا لاحقاً عن "الخريطة الحزبية".أما اليوم، فلا يزال كنعان يعوّل على "دعم الرئيس ميشال عون ونهجه وفكره"، فيطرح مسعاه الأخير، انطلاقاً من معادلة : "كل شيء يرخص أمام وحدة التيار...
فالشرذمة هي طريق النهاية والانهيار". فهل هذا يعني أن كنعان لا يريد أن يتجرّع "الكأس المرّة"، فيحاول مرة أخيرة قبل أن تشارف الحكاية على النهاية؟!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك