كتب العميد المتقاعد الدكتور غازي محمود:
الحث على استخدام الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء، إن على مستوى الاستهلاك الفردي والمؤسسات أو على الصعيد العام، يدعو الى السؤال حول الجدوى الاقتصادية لأنظمة الطاقة الشمسية المُنتجة للكهرباء بالمقارنة مع الكهرباء التي يُمكن أن يحصل عليها المستهلك من مؤسسة كهرباء لبنان او من المولدات الخاصة. سيما وأن تجهيز نظام طاقة شمسية لإنتاج الكهرباء يتطلب ما لا يقل عن $3000 دولار أميركي، والمبلغ قابل للارتفاع مع زيادة قدرة النظام الإنتاجية وقدرته على التخزين.
وجدير بالذكر أن لجوء اللبنانيين الى الطاقة الشمسية لم يكن الخيار الأسهل، بقدر ما كان الحل الأسرع للحصول على الكهرباء. وهو جاء بعد انخفاض عدد ساعات التغذية التي تؤمنها مؤسسة كهرباء لبنان الى أدنى مستوياتها وصولاً الى التوقف المتكرر عن الانتاج منذ نهاية شهر آب من العام 2021 وحتى اليوم. بالإضافة الى ارتفاع فاتورة المولدات جراء رفع الدعم عن المحروقات الذي كان قد بدأ تدريجياً في تموز من العام نفسه. في وقتٍ كانت تنهار فيه قيمة العملة الوطنية مُقابل الدولار الأميركي، وتتآكل معها مداخيل اللبنانيين وقدرتهم الشرائية بشكل يومي.
هذا التوجه الى استخدام أنظمة الطاقة الشمسية دون غيرها من مصادر الطاقة المتجددة لإنتاج الكهرباء، يستدعي البحث حول مدى صوابية اختيار هذه الأنظمة والجدوى الاقتصادية منها. سيما وأن هذه الأنظمة تتميز بسهولة تجهيزها وإمكانية التحكم بحجمها وفقاً لحاجة المستهلك وامكاناته المالية. كما تتميز بقصر الوقت اللازم لتجهيزها وتدني تكلفتها بالمقارنة مع تكلفة غيرها من أنظمة الطاقة المتجددة، لا سيما منها أنظمة طاقة الرياح التي لم تثبت فعاليتها في لبنان وإن توفرت بأحجام تتناسب مع الاستهلاك الفردي.
وتتميز أنظمة الطاقة الشمسية أيضاً:
- بتعدد أوجه استخدامها مثل تسخين المياه وإنتاج الكهرباء.
- مصدر متجدد ومستدام للطاقة لا ينضب.
- تُنتج طاقة نظيفة صديقة للبيئة ولا ينتج عنها أية انبعاثات.
- تسمح بتخزين الطاقة التي يُنتجها النظام لإعادة استخدامها عند الحاجة.
- قابلة للتحكم بحجمها لجهة إضافة الألواح الخلايا الكهروضوئية او البطاريات.
ودراسة الجدوى المالية لأنظمة الطاقة الشمسية، لا بد أن تتم من خلال مقارنة كلفة إنتاجها مع كلفة الكهرباء من غيرها من المصادر لا سيما مؤسسة كهرباء لبنان والمولدات الخاصة. وبينت دراسة للدولية للمعلومات لتعرفة مؤسسة كهرباء لبنان أن متوسط الفاتورة الشهرية لمشترك بقدرة 15 امبير ومعدل استهلاك شهري 200 كيلوواط/ساعة، يبلغ $42.5 دولار أميركي. مع العلم أن عدد ساعات التغذية يقتصر على أربع ساعات أو ست ساعات في اليوم على الأكثر.
ما يعني أنه إذا تحققت التغذية من مؤسسة كهرباء لبنان على مدار الأربع والعشرين، فقد يرتفع متوسط الفاتورة الشهرية الى $160 أي قُرابة أربعة أضعاف الفاتورة الحالية. وبينما لا يتجاوز متوسط تعرفة الكيلوواط ساعة عالمياً في أحسن الحالات الـ 14 سنتاً أميركياً، يبلغ هذا المتوسط في لبنان الـ 21 سنتاً أميركياً. ولا تزال تعرفة كهرباء لبنان تتضمن رسوماً ثابتة لا علاقة لها بالاستهلاك مثل بدل العداد، وهو رسم غير معتمد إلا في لبنان فيما تم إلغاء رسم بدل التأهيل في اخر تعديل للتعرفة.
أما تعرفة المولدات الخاصة للكيلوواط ساعة فتتراوح بين 50 والـ 60 سنتاً أميركياً، ويبلغ المتوسط الشهري لفاتورة المولدات الخاصة بحسب دراسة للبنك الدولي أُجريت في العام 2023، الـ 77$ دولار أميركي وهو يُقارب الـ $80 وفقاً لدراسة للدولية للمعلومات. وترتفع فاتورة المولدات الخاصة للمقيمين في الأبنية الفاخرة حيث تتخطي قدرة الاشتراك الـ 10 امبير وحيث تكاد لا تنقطع الكهرباء، الى $300 دولار أميركي.
ويخلص تقرير البنك الدولي الى أنه على الرغم من الكلفة الشهرية المرتفعة للمولدات الخاصة، يرى 73.5% من المشاركين في الاستطلاع أنه يصعب عليهم تحمل الكلفة الأولية المرتفعة لأنظمة الطاقة الشمسية، حيث يتراوح متوسط هذه الكلفة بين 2500 و3000 دولار أميركي. وبغض النظر عن القدرة على تحمل البعض هذه الكلفة من عدمها، يبقى السؤال عن كلفة الكهرباء التي تنتجها أنظمة الطاقة الشمسية بالمقارنة مع كلفتها من المصادر الأخرى.
وللإجابة على هذا السؤال لا بد بدايةً من تحديد حجم نظام الطاقة الشمسية موضوع المقارنة. حيث تعتمد هذه الدراسة نطام مكون من ستة الواح من الخلايا الكهروضوئية (PV Solar Panels) بقدرة 540 واط لكل منها عمر افتراضي ٢٠سنة بكلفة إجمالية $900 دولار أميركي، وعاكس (Inverter) بقدرة 5Kwh تبلغ كلفته $500 دولار اميركي. كما يتكون من أربع بطاريات تخزين (Lead Acid) 240 Ah اما عمرهما الافتراضي فلا يتعدى الـ 3 سنوات وكلفتها $1000 دولار اميركي، بالإضافة الى ما تستلزمه من هياكل حديدية واسلاك وقواطع وحمايات وعمر افتراضي ٢٠ سنة وكلفة تبلغ $500 دولار اميركي.
وبغض النظر عن حجم الكهرباء التي يمكن الحصول عليها من نظام الطاقة الشمسية، فإن متوسط كلفة المستهلك الشهرية تساوي المتوسط الشهري لاستهلاك مكونات هذا النظام التي يتفاوت عمرها الافتراضي بين مكونٍ وآخر. ويتطلب احتساب هذه الكلفة قسمة الكلفة الاجمالية لكل مكون على عمره الافتراضي (بالأشهر)، ومن ثم جمع النتيجة للحصول على متوسط الكلفة الشهرية للكهرباء من الطاقة الشمسية التي تُساوي 37.25 دولار اميركي.
أما دراسة الجدوى الاقتصادية لهذا النظام فتكون من خلال خمس معدلات بالإضافة الى تحليل الحساسية، الامر الذي يتطلب تحديد التدفقات النقدية للنظام كما يتطلب تحديد صافي قيمته الحالية. أما قيمة التدفقات المالية السنوية فتُعادل الوفر الذي يتحقق من عدم استخدام مصادر الطاقة الأخرى، وفي مثالنا موضوع الدراسة تساوي هذه التدفقات مجموع كلفة كهرباء لبنان والمولدات الخاصة أي 42 + 80 = $122 دولار أميركي شهرياً أي ما يُعادل الـ $1464 دولار أميركي سنوياً.
- معدل العائد المحاسبي (ARR): (1464 ÷ 3000) x 100 = %48.8 وهو يفوق معدل سعر الفائدة على الودائع اليوم ما يجعل من الاستثمار استثماراً مربحاً.
- صافي القيمة الحالية (NPV): 6667.15 – 3000 = 3667.15 تبين النتيجة أن صافي القيمة الحالية للمشروع (عند معامل خصم %10) موجبة يعني أن العائد المتوقع للمشروع أعلى من معدل العائد المطلوب، لذلك يستحق الاستثمار فيه (تم احتساب الـ NPV باستخدام برنامج Excel، بعد ادخال المعطيات المتعلقة بها).
- معدل العائد الداخلي (IRR): %44 وهي نسبة اعلى من معدل الخصم أو سعر الفائدة وبالتالي المشروع مربح (تم احتسابه باستخدام برنامج Excel، بعد ادخال المعطيات المتعلقة به).
- فترة الاسترداد: 3000 ÷ 1464 = 2.04 سنة أي 24 شهراً و15 يوم تقريباً، وتُعد فترة زمنية مثالية للاستثمار.
- حساسية المشروع: تهدف دراسة حساسية المشروع معرفة قيمة التغيير الذي يطرأ على معايير فترة الاسترداد ومعدل العائد المحاسبي والعائد الداخلي وكذلك صافي القيمة الحالية وتتم وفقاً لفرضيتين:
أ- الأولى وتشمل دراسة حساسية المشروع في حال انخفاض قيمة التدفقات السنوية بنسبة %10، بحيث تنخفض الى: 1464 – (1464 x %10) = $1317.6 دولار أميركي.
ب- الثانية وتشمل دراسة حساسية المشروع في حال انخفاض عمر المشروع الى 10 سنوات بدلا ً من 15 سنة، حيث يبقى معدل الاسترداد على حاله أي 2.04 سنوات، بينما تختلف المعدلات الباقية.
يتبين مما تقدم أن ومعدل العائد الداخلي يفوق سعر الفائدة التي تساوي اليوم في لبنان صفراً، وأن فترة الاسترداد هي فترة مثالية. كما دلت دراسة حساسية المشروع على استمرار الجدوى الاقتصادية للمشروع ولو انخفضت قيمة التدفقات النقدية بنسبة %10 أو عند انخفاض عمر المشروع الى 10 سنوات.
وتخلص مقارنة المتوسط الشهري لكلفة الكهرباء من المصادر الثلاثة المبينة أعلاه، الى أن كلفة انتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية تبقى هي الأدنى، حتى لو تم بلغت ضعف ما هي عليه اليوم. ذلك أن نظام طاقة شمسية متكامل يوفر كهرباء على مدار الـ 24 ساعة في الأيام المشمسة، بينما تقتصر التغذية من كهرباء لبنان على 6 ساعات كحدٍ اقصى و10 ساعات من المولدات الخاصة.
إن الجدوى الاقتصادية لاستخدام أنظمة الطاقة الشمسية لا ينفي انخفاض إنتاجيتها في أيام الشتاء، الامر الذي يتطلب استخدام مصدر إضافي من مصادر الكهرباء. ما يجعل من اعتماد خطة متكاملة تدمج أنظمة الطاقة الشمسية الفردية في شبكة الكهرباء الوطنية ضرورة ملحة، وبذلك يُساهم التوسع في استخدام الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء على المستوى الفردي النقص في انتاج مؤسسة كهرباء لبنان. ذلك أنه لا بد الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص لمواجهة أزمة لبنان المالية والاقتصادية ولا سيما منها أزمة الكهرباء.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك