عبّر رئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" سمير جعجع، عن "أعمق مشاعر التعاطف مع اللبنانيين الجنوبيين، خصوصاً أهالي القرى الحدودية، الذين منذ عشرة أشهر وحتى اليوم، لم يعرفوا النوم أو لحظة سكينة، هذا إن لم يسقط لهم شهيد"، واصفاً حياتهم بأنها "جحيم". وتساءل عن "سبب هذه المعاناة وما هو مبررها"، مستفسراً عن "ضرورات الأمن القومي اللبناني التي دفعت البلاد إلى هذا الواقع".
كلام جعجع جاء خلال العشاء السنوي لمنسقيّة المتن الأعلى في حزب "القوّات اللبنانيّة"، والذي أقيم في المقر العام للحزب في معراب، في حضور النائب بيار بو عاصي، رئيس اتحاد بلديات المتن الأعلى كريم سركيس، رئيس المجلس الماروني ميشال متى، أعضاء من الرابطة المارونيّة، الأمين العام اميل مكرزل، مستشار رئيس "القوّات" للشؤون الداخليّة جوزيف ابو جودة وعقيلته، الأمين المساعد لشؤون المصالح السابق نبيل ابو جودة، مؤسس "دار الحوار" بشارة خيرالله، رئيس مصلحة أطباء الأسنان في الحزب انطوان كفوري، منسقة المنطقة ماري ابي نادر، عدد من رؤساء البلديات والمخاتير وحشد من أعضاء المجلس المركزي في "القوّات" والفاعليات الإجتماعيّة المتنيّة.
وسأل جعجع: "ما هي ضرورات الأمن القومي اللبناني التي دفعت بنا إلى هذا الواقع؟ يطل علينا مسؤولو الممانعة ويُتحفوننا يومياً بخطب من هنا وهناك مبررين ما يحصل بضرورة مرتبطة بالأمن القومي، ولا أعرف تماماً إذا كان هناك أحد "عنده جلادة يسمعهم".
وقال: "أليس لمصر ضرورات أمن قومي أيضاً كهذه الضرورات المرتبطة بالأمن القومي اللبناني التي يتكلمون عنها، على الرغم من أن مصر جمهورية من 110 ملايين نسمة وتتشارك الحدود مع غزة تحديداً؟ أليس للأردن ضرورات مماثلة أيضاً؟ لنترك مصر والأردن ولنأتِ إلى سوريا التي يعتبرونها نجمة "محور الممانعة"، على الرغم من أنها نجمة لا وميض لها، فحتى سوريا ليس لديها ضرورات أمن قومي دفعتها للدخول في الحرب كتلك التي أوجدها البعض عندنا في لبنان لزج البلاد بأكملها في حرب، حتى هذه اللحظة لا أعرف تماماً ما هي مبرراتها".
وشدّد جعجع على "أن المعاناة كلها التي يعيشها أهل الجنوب اليوم مرتبطة بالأمن القومي الإيراني"، مشيرًا إلى "أن الحرب الحالية ستنتهي بنتائج كارثية على لبنان، فإن توقفت اليوم وهو أمر مستبعد بما أن التصعيد سيّد الموقف، فقد حصدت هذه الحرب حتى اللحظة أكثر من 500 شهيد وما بين مليارين وثلاثة مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية في الجنوب، بالإضافة إلى ثلاثة إلى أربعة مليارات دولار من الخسائر على الاقتصاد اللبناني". وأكّد "أن المسؤولين عن بدء العمليات العسكرية في جنوب لبنان يتحملون مسؤولية هذه الخسائر كلها".
اضاف: "أما بالنسبة للحل، فانه واضح وسهل ويتمثل في انتشار الجيش اللبناني على الحدود الجنوبية وتولي مهمة الدفاع عنها"، رافضا "النظريات التي تُروّج لعجز الجيش اللبناني"، ومؤكدًا أن "دول العالم تدعو إلى تطبيق القرار 1701 لإنهاء المشكلة في الجنوب، بينما يراوغ المسؤولون اللبنانيون ولا يقدمون أي أجوبة واضحة على المقترحات".
وفي ما يتعلق بجريمة انفجار مرفأ بيروت، أشار جعجع إلى أنها "وعلى الرغم من أنها أوقعت قرابة 230 شهيدًا وآلاف الجرحى وعشرات الآلاف من المتضررين ومليارات الدولارات من الخسائر، إلا أن ضررها الأكبر هو على النفسية المجتمعية اللبنانية التي تأثرت بشكل عميق". وعبّر عن استيائه من تعطيل "محور الممانعة" التحقيقات في هذه الجريمة، مؤكدًا أن حزب "القوّات اللبنانيّة" "لن ينسى هذه الجريمة وسيستمر في السعي لتحقيق العدالة مهما طال الزمن". وقال: "مهما طال الزمن، ونحن في الذكرى الرابعة، ومن الممكن أن تمر سنة إضافية أو سنتان أو ثلاث أو عشر سنوات أو خمسون سنة، لن ننسى جريمة انفجار مرفأ بيروت ولن نترك هذه القضية، وسنستمر في مسعانا بالوسائل القانونية المتاحة كلها لنا إلى حين إنزال العقاب بجميع المسؤولين عن هذه الجريمة".
وأوضح جعجع أن حزب "القوّات" "عمل منذ اربع سنوات في المحافل الدولية سعياً لتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية في انفجار المرفأ"، مؤكدًا أن "العمل صعب ولكن الحزب مستمر في المطالبة بتشكيل هذه اللجنة". وأشار إلى أن "بعض الدول لا ترغب في مواجهة إيران ولهذا السبب لم توافق على تشكيل اللجنة، لكن "القوّات" شعرت ببعض التغيرات الإيجابية في هذا الإطار أخيراً".
ودعا جعجع وزير العدل والحكومة اللبنانية إلى "تحمل مسؤولياتهما لضمان حسن سير العدالة ودفع التحقيقات في انفجار المرفأ قدما". واقترح "ان يدعو وزير العدل مجلس القضاء الأعلى لإجتماع يتم فيه وضع التحقيق في انفجار مرفأ بيروت في مقدمة جدول الأعمال، حيث يبادر الوزير الى مطالبة المجلس بإزالة مختلف العقبات أمام التحقيقات خلال مهلة قصيرة يحددها لهم تحت طائلة تحميلهم مسؤوليّة تعطيل التحقيقات"، مشيرًا إلى أن "السلطة السياسية مسؤولة عن حسن سير العدالة على الرغم من تطبيق مبدأ فصل السلطات في لبنان".
وقال: "للأسف، وبعد مقدار الكذب والنصب الذي ارتكبه الفريق الآخر، لم يعد باستطاعة أحد أن يعرف مكمن الحقيقة، وفي بعض الأوقات يعتبر الناس أن بعض الأمور من المستحيل أن تحصل باعتبار أن ليس هناك من سبيل لإنجازها، في حين أن الحلول سهلة جداً. السلطة السياسية في نهاية المطاف مسؤولة عن كل شيء، صحيح أنها ليست مسؤولة عن إصدار الأحكام إلا أنها مسؤولة عن حسن سير العدالة، وبالتالي يمكنها التدخل الآن من أجل أن توقف التعطيل وتزيل العقبات من أمام المحقق العدلي، الذي تولّت بذاتها تعيينه، لكي يمضي في تحقيقاته التي وصلت إلى خواتيمها بحسب ما يتم تداوله، كي يصدر القرار الظني، الذي يُرسل إلى المجلس العدلي لتبدأ المحاكمات".
وشدد جعجع على ان "أبسط الإيمان وأقلّه هو أن تتم هذه الخطوة الآن"، وقال: "ليتفضل وزير العدل ولتتفضل الحكومة بالقيام بواجباتهما، ولكن "على من تقرأ مزاميرك يا داوود"، فالمعطل هو "محور الممانعة" في حين أن هذه الحكومة هي "حكومة ممانعة". ومَن شكّل هذه الحكومة هو الرئيس ميشال عون، الذي يطالب جماعته ويرددون يومياً أنهم يريدون العدالة، في حين أن من يريد العدالة لا يشكل حكومة من "محور الممانعة" المعروف بأنه "Anti-عدالة" بالتعريف الأولي".
وأوضح جعجع أنه قال كل ما قاله لأنه يجب أن "نبدأ بالإشارة الى المشكلة بالإصبع، فأكبر جريمة ترتكب بحق لبنان واللبنانيين هي "التعميم القاتل"، وقال: "يستعمل بعض من في الصحافة كما بعض الناشطين عندما يريدون اتهام جهة معينة بمسألة ما تعابير كـ"السياسيين" و"الطبقة السياسية"، في حين أنه يجب أن يقولوا مَن وبالإسم، مَن عطّل هذه المسألة ومَن ارتكب تلك، لأنه بالتعميم ليس هناك من مذنب فعلي حقيقي يمكن ملاحقته، ومن يستفيد من هذه المسألة فحسب هو المرتكب الحقيقي الذي تم التعمية على ارتكابه بـ"التعميم القاتل" ويستمر بفعلته من دون لا حسيب ولا رقيب".
وكان جعجع استهل كلمته بالترحيب بالحضور، مشيراً إلى أن النائب بيار بو عاصي ومنسّقة المنطقة ماري أبي نادر "هما مثال يحتذى في حزب "القوّات اللبنانيّة" باعتبار انهما انخرطا في العمل الحزبي من اسفل الهرم وتمكنا من صعوده بعملهما وتعبهما وجهدهما". وقال: "هما ليسا من عائلات ميسورة شأنهما شأننا جميعاً وشأني أنا أيضاً، ولكنهما عملا على تطوير نفسيهما بجهد كبير مكّنهما من صعود السلّم الحزبي كي يصلا إلى المراتب التي هما فيها اليوم، وهذا دليل على أن أي فرد منا في حزب "القوّات" يمكنه أن يصل إلى أعلى المراتب إذا ما عمل بجد وكد وتعب على تطوير نفسه بالشكل المطلوب".
وفي ختام كلمته، عبّر جعجع عن عدم تخوفه من الأوضاع الصعبة الحالية، مؤكدًا أن حزب "القوّات اللبنانيّة" "سيواصل مواجهة التحديات كما فعل في الماضي". ودعا الشعب اللبناني إلى "وعي أكبر، والى اختيار السلطة المسؤولة بشكل أفضل"، مشددًا على أن "الخلاص بيد اللبنانيين أنفسهم وليس من دول الغرب أو الشرق". وأكد أن "الأمل مستمر في الوصول إلى دولة فعلية وأن الشعب اللبناني هو من يملك مفتاح الخلاص".
كما القى بو عاصي كلمة استهلها بالقول: "اسمحوا لي أن أعرّف عن نفسي، أنا اسمي بيار بو عاصي، رفيقكم منذ 40 عامًا، فنحن سويّا نمضي في هذه المسيرة منذ 40 عامًا بالتصميم ذاته والروح والإرادة والقدرة على مواجهة الصعاب والتحديات. الحياة صعبة، ولو كانت سهلة لما كان لنا جميعًا مطرح هنا. لأنها صعبة نحن هنا، ولأننا نريد بناء وطن يحفظ الدور والوجود المسيحي كما يحفظ الدور والوجود للمكونات الأخرى كافة نحن هنا. ولأن لا أحد سوانا يريد هذا الوطن كما نريده، المسؤولية كبيرة جدًا وتقع على كاهلنا، أنتم وأنا".
وتابع: "أنا ألتقي بأشخاص كثيرين ومن مختلف الجهات والمناطق بشكل يومي والجميع يقول لي: "لبنان بين أيديكم" لذا المسؤولية كبيرة إلى هذا الحد، وفي الوقت ذاته، إلى هذا الحد تصميمنا كبير ونطلب من الله أن يقدرنا على تحقيق أمنيات شعبنا الذي أمضى سنوات وسنوات، وربما مئات ومئات من السنوات، يسعى إلى وطن يؤمّن الأمان والاستقرار للجميع ويحفظ حقوق الجميع، وعلى رأس ذلك الدور والوجود المسيحي في لبنان".
ولفت بو عاصي إلى أنهم "يقولون إننا نمثل ثقافة الحياة، وهذه مسألة نتفق عليها، فنحن نريد أن تكون حياتنا جميلة، وأن نعلّم أولادنا في أفضل المدارس والجامعات، وأن يتمكنوا من التوظيف في أفضل الوظائف، وأن يتمكنوا من تحقيق ذاتهم سعياً وراء سعادتهم، هذا صحيح. ولكن ما ليس مقبولاً أن يُقال هو أن ثقافتهم، كما يحصل اليوم، هي ثقافة الموت. ليس هناك من أمر اسمه ثقافة الموت. ثقافة الموت هي اللاثقافة، ولونها كاللون الأسود لون الحداد كوجوههم السود وهو اللالون". وشدد على أننا "ثقافة الحياة، وليس هناك من ثقافة أخرى سوى ثقافة الحياة، ومن يتّكل على السواد والموت والفقر والتهجير هو إلى زوال ونحن إلى بقاء، فنحن أبناء الحياة".
وختم كلمته بالقول: "لن أشكركم على أي شيء، سويّا دخلنا إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، سويّا وليس بيار بو عاصي، جميعنا دخلنا وجميع رفاقنا والمصابين والشهداء قبلنا جميعاً. وكنت أصلي يومياً قبل النوم وأقول: "يا رب ساعدني لأكون وفياً لتطلعات وقيم وحلم رفاقي الذين رحلوا عن هذه الدنيا".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك