كتب شادي الياس:
لبنان التّعدّديّ والمتنوّع عبرَ تاريخه تمّ تتويجه بدستور ونظام مركزيّ متطوّر يوازي أكثر الدّول تطوّراً في العالم، وبدأت مراحل التطوّر والنّموّ والازدهار ليتمّ وصفه بكلمة "سويسرا الشّرق".
هذا الاختبار، الذي بدأ إيجابيًّا يراعي الحداثة، بدأ اضمحلاله عندما تمّ التّخلّي عن مفهوم الحياد بعد اتّفاق القاهرة بالإضافة إلى رغبة الشّعب بعدم إخضاع نفسه إلى القوانين والدّستور، ومن ثمّ أتى الفساد والانهيارات الاقتصاديّة، وصولاً إلى ضمّ لبنان إلى محاور وحروب إقليميّة.
اختبار كلّفنا مئة عام من البناء والتّضحيات والعذاب قد فشل، وتمّت إعادتنا إلى نقطة الصّفر. هل نبقى على حالنا في هذا الانهيار والتّخلّف أم آن الآوان للبحث عن حلّ لهذا الوضع الذي وقعنا فيه؟ التّجاذبات الإقليميّة مستمرّة دائماً في حروب باردة، ومكوّنات الشّعب اللبنانيّ معرّضة دائماً للانخراط في مشاريع خارج الحدود، وعلى ما تبيّن إنّ هذه الجماعات تنجرف في العقائد والعواطف أكثر من الاهتمام بالعقيدة الوطنيّة العليا أي الحرّيّة والسّيادة والاستقلال، فتتمّ محاولة السّيطرة على لبنان ويتمّ تسخيره لحسابات خارجيّة، وهذا ما لا يقبل به النّصف الآخر من الشّعب اللبنانيّ.
هذه هي ترجمة التّخلّف في الاختبارات العقيمة التي إذا بقينا فيها على حالنا نستمرّ في الانحدار والتّراجع، وكلّ نوع من أنواع التّعديل في الدّستور هو ذرّ الرّماد في العيون ومضيعة للوقت، فشطب الطّائفيّة السّياسيّة هو شطب مكوّن لبنانيّ على حساب الآخر لأنّه تبيّن أنّ السّيطرة على الدّولة خاضعة للصّراع الطّائفيّ والقوميّ، وبالتّالي ما يجب شطبه هو مصطلح "الانصهار الوطنيّ" لأنّ هذه الخبرة أثبتت فشلًا في أسلوب الحكم.
آن الآوان للجلوس معاً، ليس للتّوافق على رئيس للجمهوريّة، إنّما للتّوافق والاتّفاق على مستقبل هذا البلد ومستقبل كلّ جماعة فيه ومستقبل الأجيال القادمة، فهي مسؤوليّة في أعناقنا علينا تثبيتها وترسيخ نظام يراعي التّركيبة المجتمعيّة الواقعيّة، فلا يجوز بعد الآن أن تدفع جميع المكوّنات اللبنانيّة ثمن احتكار قرار الحرب والسّلم والمسائل الاستراتيجيّة. هناك استحالة للحكم معاً، وهناك استحالة أن تخضع جماعة لأُخرى، واستحالة أن نبقى على هذا الوضع،
لذلك آن الآوان للجلوس معاً لإعادة النّظر في مصائب الدّولة المركزيّة.
الأزمة اللبنانيّة أزمة صغيرة مقارنةً مع الدّول التّعدّديّة الكبيرة مثل جنوب افريقيا وإيرلندا.. لذلك، الحلّ ليس حلمًا وليس بعيدًا، فلتنظّم كلّ جماعة طائفيّة مناطقها وتؤمّن لها احتياجاتها، والدّول الخارجيّة لن تقف أمام حلول لبنانيّة، فلنفتعل التّقاطع الخارجيّ والدّاخليّ اليوم قبل الغد، وليبدأ الازدهار من جديد، ولنعِش ونتعايش معاً دائماً وأبداً بسلام.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك