تحرص أوساط قيادية سيادية على تأكيد الدعم الكامل للعهد حكماً وحكومة، وعلى التنويه بوجود "سيبة" ثلاثية يعكسها الواقع الحكومي وتتمثل برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ومعه من يؤيده من تغييريين وسنّة "عروبيين"، والقوى السيادية التي تتصدرها "القوات اللبنانية" ومعها حزب "الكتائب"، فيما يبدو "الثنائي الشيعي" أقرب إلى التعاطي "عالقطعة" مع الحكومة ككل، وأحياناً أشبه بمعارضة من الداخل، وهو أمر غير سليم ولا ينبغي أن يتخطى سقفاً معيناً، باعتبار أن زمن الفيتوات انتهى والكلمة الأخيرة للأكثرية، بمعزل عن نغمة الميثاقية التي تم تحويرها وتحويلها إلى شماعة مذهبية ضيقة.
يقول أحد الوزراء، إن وزير المالية ياسين جابر يتمايز بهدوء ملحوظ، بل إنه الأكثر تحفظاً بين وزراء الثنائي، ويناقش بالحد الأدنى لا سيما في العناوين السياسية، فيما تلعب وزيرة البيئة تمارا الزين دور رأس الحربة متقدمة على وزيري "حزب الله" ركان ناصر الدين ومحمد حيدر في الدفاع عن سلاح "الحزب" تحت شعار المقاومة. وتحبك معه الطرفة مضيفاً: إنها تلعب في الحكومة الحالية دور وزير الثقافة السابق محمد المرتضى الذي كان محسوباً على الرئيس بري، لكنه كان يتصدر المواجهة دفاعاً عن "حزب الله"، علماً أن لا أحد يشكك في خبرة الزين ومقدراتها العلمية.
ومن الواضح أن ثمة بعضاً من التمايز بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في كيفية مقاربة بعض الأمور وليس في المسائل الاستراتيجية والأساسية. وتشير الأوساط إلى أنها تثق عميقاً بالرئيس العماد جوزاف عون، الذي تمكن من استعادة هيبة مفقودة للرئاسة، وأثبت أن هذه الهيبة عندما تتوافر، تعوّض ما يشكو منه البعض من تراجع في صلاحيات الرئاسة، فكم بالحري عندما يتمتع الرئيس بدعم شعبي واسع وعربي ودولي صريح.
والملفت أن الرئيس سلام يتجنب الخوض تفصيلاً في عناوين سيادية حساسة، مكتفياً بالتذكير بالبيان الوزاري وخطاب القسم، فيما الرئيس عون أكثر وضوحاً، لكنه في الوقت عينه يدعو إلى التروي والاعتماد على عامل الوقت، لأن الأمور ستصب في نهاية المطاف حتماً في استحقاق حصر السلاح بيد الشرعية ومؤسساتها.
ومن هنا، فإن بعض الشطحات، على غرار ما حصل مع نائب رئيس الحكومة طارق متري لا يؤثر على الخط الحكومي العام، ولا على العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، لكن الحذر مطلوب ومعه التحذير حيال أي تراخ ولو غير مقصود في موضوع حصرية السلاح، والذي يبقى العنوان الأكبر والأخطر، ومكمن الخطر في محاولات "حزب الله" افتعال الإشكالات، مستغلاً التناغم مع الرئيس بري حكومياً، في رهان على تنفيس اندفاعة العهد، مقابل استغلال التطورات الأمنية الميدانية لتبرير حجته برفض التخلي عن السلاح، على غرار احتلال إسرائيل النقاط الخمس وادعاء حماية الأهالي في المناطق الحدودية الشرقية والشمالية الشرقية، في مواجهة هجمات قوى السلطة الجديدة في سوريا.
هذا الأمر يجعل بعض الحكومة تنكفئ عن أولوية استعادة السيادة لتنصرف إلى التركيز على الإصلاح وترتيب الأوضاع الاقتصادية والمالية، علماً أن لا شيء مهمّاً سيتحقق في هذا المجال على الصعيد الواسع والجذري، إذا ما استمر واقع الدويلة في موازاة الدولة. ولذلك لا بد من أن تقتنع الحكومة بأن السيادة الكاملة للدولة ومن دون أي شريك في القرار وفي السلاح هي أولوية أقله في موازاة الاهتمام بالشؤون الأخرى، لأن دولة لا تؤمن بسيادتها بشكل واضح وحاسم، لا يمكنها أن تفرض هذه السيادة أداءً وواقعاً. فكيف يمكن إقناع "حزب الله" بالتخلي عن سلاحه طالما أن الحكومة تتردد في مواجهته بهذا المطلب.
أما الكلام على الاحتلال الإسرائيلي للنقاط الخمس واستمرار الغارات جنوباً وبقاعاً، فلا بد من التذكير بأن خروقات اتفاق وقف إطلاق النار تصدر عن اسرائيل وعن "الحزب" في آن واحد، مع فارق أن إسرائيل تستغل الواقع لمواصلة اعتداءاتها، بينما يتمسك "حزب الله" بعنوان المقاومة من دون أن يطلق رصاصة واحدة، ما يؤكد أكثر فأكثر أن الهدف من احتفاظه بالسلاح هو للاستقواء به على الداخل.
وتشير الأوساط السيادية البارزة، إلى أن الضغوط الأميركية إلى تفاقم، باعتبار أن الرئيس ترامب لا يقدم شيئا لأي دولة من دون مقابل ملموس، وهذه الضغوط تتدرج من رفض توفير أي مساعدات ولو على شكل قروض حتى من المؤسسات الدولية المانحة التي لواشنطن الكلمة الأقوى فيها، سواء للإعمار أو للاستثمار، طالما أن الدولة اللبنانية لم تملك بعد حصرية السلاح في مختلف الأراضي اللبنانية، مروراً بطرح أسئلة حول المساعدات الثابتة للجيش اللبناني، والضغط لجر لبنان إلى مفاوضات سياسية مع إسرائيل، على قاعدة أن اتفاق الهدنة ما زال قائماً ولكن لم يعد كافياً لترسيخ هدوء دائم بين لبنان وإسرائيل، سواء سُمي تطبيعاً أو سلاماً غير معلن.
وتختم الأوساط بالدعوة إلى متابعة ما قد يبرز من ضغوط تتعلق بـ "الفضاء السيبراني" وما يتصل به من وسائل تواصل وتقنيات متطورة، باعتبار أن الولايات المتحدة تملك الشركات الأساسية المشغلة والمعنية وأن لإسرائيل حصة في هذا المجال.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك