ريمون مارون مركز الشرق الأوسط للأبحاث والدراسات الاستراتيجية - MEIRSS
لطالما كان احتكار الدولة للسلاح أحد المقومات الأساسية لقيام أي نظام سياسي مستقر، إذ لا يمكن تصور سلطة فعلية من دون امتلاكها الحق الحصري في استخدام القوة. هذا المبدأ الذي شكّل الأساس لنشوء الدول الحديثة، وفق النظريات السياسية الكلاسيكية، تعرض في لبنان لتشويه ممنهج منذ منتصف ستينيّات القرن الماضي، حيث بدأت معادلة السلطة تتفكك، ودخلت البلاد في نفق من الأزمات المتلاحقة. اليوم، وبعد عقود من التنازلات المتراكمة، بات واضحًا أن استعادة الدولة لدورها لا يمكن أن تتم دون فرض سيطرتها الكاملة على أدوات العنف المنظم، وإنهاء أي محاولة لخلق سلطة موازية تضعف القرار الوطني.
- الدولة بين حالة السيادة والواقع المأزوم
يُجمع المنظّرون السياسيون، على أن الدولة لا تكتمل إلا باحتكارها الشرعي للعنف، إذ إن هذا الاحتكار هو الذي يميّزها عن أي كيان آخر داخل المجتمع. لكن في الحالة اللبنانية، تم تقويض هذا المبدأ تدريجيًا، مما أفرز نموذجًا هجينًا للدولة، تتنازع فيه سلطات متعددة الحق في فرض القرارات الاستراتيجية. هذا الواقع لم يكن مجرد نتيجة لصراعات داخلية، بل جاء نتيجة تدخلات خارجية كرّست مفهوم الدولة المنقوصة، حيث أصبحت السيادة مشروطة بتوازنات إقليمية لا تعكس بالضرورة مصالح اللبنانيين.
ما يزيد من تعقيد هذا المشهد هو أن التفكك المؤسساتي لم يقتصر على الجانب الأمني، بل انسحب على مجمل البنية السياسية والاقتصادية. فالتجربة أثبتت أن أي نظام سياسي غير قادر على ضبط أدوات العنف داخله يتحول تلقائيًا إلى ساحة مفتوحة لمشاريع لا تمتّ إلى المصلحة الوطنية بصلة. فالاقتصاد، مثل السياسة، لا يزدهر في ظل الخلل الأمني، والاستثمار لا يجد بيئة حاضنة في دولة لا تتحكم بسيادتها كاملةً. من هنا، فإن إعادة الاعتبار لفكرة الدولة المستقلة لا يمكن أن تتم إلا من خلال إنهاء حالة التعددية العسكرية التي حالت دون بناء سلطة مركزية قادرة على فرض إرادتها.
- الازدواجية العسكرية: معضلة تتجاوز الأمن
إن القبول الضمني بوجود أكثر من جهة تمتلك قرار السلم والحرب حوّل لبنان إلى مساحة رمادية، لا هو دولة مكتملة الأركان، ولا هو كيان خاضع كليًا لسلطة خارجية. هذا الغموض، وإن بدا في بعض المراحل عامل توازن داخلي، إلا أنه أدى عمليًا إلى استنزاف مؤسسات الدولة وإضعاف قدرتها على إدارة الأزمات. فكيف يمكن الحديث عن إصلاح سياسي أو نهوض اقتصادي في ظل واقع أمني يفرض شروطه على القرار السيادي؟
الأمر لا يقتصر على الجانب النظري، بل إن التجربة أثبتت أن ازدواجية القرار العسكري كانت دائمًا مدخلًا لتكريس الانقسام الداخلي. فالسلاح الذي لا يخضع لسلطة الدولة يصبح تلقائيًا أداة لتعديل موازين القوى السياسية وفق مصالح محددة، لا وفق مقتضيات المصلحة الوطنية. وبهذا المعنى، فإن استمرار هذا الواقع لا يشكل خطرًا أمنيًا فحسب، بل يعيد إنتاج أزمات متتالية تمنع أي إمكانية للخروج من دوامة الانهيار.
- الفرصة الأخيرة لاستعادة القرار السيادي
إن اللحظة الراهنة قد تكون الأكثر ملاءمة لإعادة ضبط المعادلة السياسية اللبنانية، إذ لم يعد هناك مجال للمراوغة أو ترحيل الحلول. فالمرحلة تتطلب موقفًا واضحًا يكرّس مبدأ الدولة القادرة، ويضع حدًا لأي محاولة لإبقاء القرار السيادي رهينة معادلات غير وطنية. وإذا كان البعض قد اعتاد فرض معادلات الأمر الواقع، فإن الوقت قد حان لتكريس معادلة جديدة: "السلاح الوحيد المشروع هو سلاح الدولة، وكل ما عداه غير قابل للاستمرار."
إن إنهاء هذا الواقع المختلّ ليس خيارًا سياسيًا فحسب، بل هو شرط أساسي لضمان بقاء الدولة اللبنانية ككيان مستقل. فإما أن تستعيد الدولة سلطتها كاملة، وإما أن تبقى رهينة للفوضى التي لن تؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار والتبعية.
دولة بلا سلاح أم سلاح بلا دولة؟
الــــــســــــابــــــق
-
التحكم المروري: حركة المرور كثيفة على أوتوستراد جونية من ساحل علما حتى مفرق الكسليك وكثيفة من الضبية باتجاه انطلياس وصولًا حتى الزلقا
-
"التحكم المروري": حركة المرور كثيفة من ساحة أنطلياس باتجاه الأوتوستراد الساحلي
-
ريفي: الخطوة الأولى التي اتخذتها القيادة الجديدة لقوى الأمن حكيمة جداً
-
بالفيديو: عودة الثّلوج
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك