ضجّت أخبار الصّحف والإعلام بمداخلة الوزراء المحسوبين على "القوات اللبنانية" خلال جلسة مجلس الوزراء يوم الخميس، التي أقرّت التعيينات العسكرية والأمنية، حيث طالبوا بعقد اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع ووضع روزنامة واضحة لنزع سلاح المجموعات المسلّحة اللبنانية وغير اللبنانية.
بحسب معلومات "نداء الوطن"، استغرقت المطالعة نحو خمس دقائق، فنّد خلالها الوزراء أهمية هذه الخطوة باعتبارها من أهم الإصلاحات التي ينبغي أن تبدأ الحكومة بتنفيذها، إذ بدون سيادة لا يمكن استرجاع الثقة، ولا تحقيق الإعمار، ولا الاستقرار السياسي، ولا الازدهار الاقتصادي.
المداخلة، التي لاقت تجاوباً من الأغلبية وتأييداً واضحاً من الوزير المحسوب على "الكتائب"، فتحت نقاشاً حول الأولويات، وبخاصة بعد مداخلة لنائب محسوب على "حزب الله"، رأى فيها أن الفكرة "ليست في وقتها" طالما أن لبنان لا يزال محتلاً من إسرائيل في خمس نقاط. تم استيعاب هذا النقاش من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، لكن من دون حسم.
"إذا مش هلّق وقتها... أيمتى؟". يحقّ للبنانيين أن يطرحوا هذا السؤال على من عارض الطرح ومن أجّل الحسم!
بعد عقود من التجاذبات السياسية والميدانية، أثبتت التجربة المريرة منذ نهاية الحرب اللبنانية وحتى حرب "الإسناد" الأخيرة، أنه لا بديل عن الدولة في إدارة شؤون البلاد، ولا خيار سوى احتكارها السلاح. تحرير أسرى "حزب الله" من إسرائيل بفضل الدبلوماسية والشرعية اللبنانية حصراً، هو مثال على تفوّق هذا الأسلوب على نهج السلاح الذي لم يجلب للبنان سوى الدمار والموت، من دون تحقيق أي أهداف استراتيجية أو حماية للأراضي اللبنانية، بل على العكس، جرّه إلى احتلال جديد كان في غنى عنه.
صحيح أن خطاب قسم رئيس الجمهورية واضحٌ في تأكيده على حصر السلاح بيد الدولة، وكذلك البيان الوزاري، لكن هذا لا يكفي. فقد كان اتفاق الطائف واضحاً أيضاً في بند "نزع سلاح جميع الميليشيات"، وهو التزام انعكس في القرارات الدولية 1680، 1559، 1701، التي وافق عليها لبنان، بل حتى "حزب الله".
إذاً، التكرار النظري لهذا الطرح لم يعد كافياً. التجارب السابقة أثبتت أن التوافق السياسي وحده لا يؤدي إلى تغيير الواقع إذا لم يكن مقروناً بآليات تنفيذية واضحة ضمن مهلة زمنية محدّدة. فإنجاح العهد وتغليب مصلحة لبنان على أي مصلحة أخرى، يتطلبان عدم تأجيل ما يُعدّ اليوم في صلب أولويات الإصلاح، تحت ذريعة "الحفاظ على السلم الأهلي"، وهو عنوان تكرّر في المراحل السابقة وتحوّل إلى غطاء للسياسات "الترقيعية". فهذا "الترقيع" لم يحفظ السلم الأهلي يوماً؛ فما الجدوى من تهدئة الغضب على حاملي السلاح غير الشرعي وتأجيل المواجهة
معه، كي لا يقتل اللبنانيون، إذا كان اللبنانيون قد دفعوا ثمن هذا التأجيل وقُتلوا في انفجارات السيارات المفخخة، و7 أيار، وانفجار مرفأ بيروت، و"غزوة عين الرمانة"؟
"مش بسّ اليوم وقتها... خلص الوقت!". أظهرت كل التجارب أن التعايش مع السلاح غير الشرعي لم يجلب للبنان سوى الكوارث، وأن الدولة وحدها هي الضامن الحقيقي لأمن مواطنيها.
الدور الذي يؤديه الجيش اللبناني جنوباً في تثبيت الأمن وفرض سلطة الدولة، يجب أن يستمر، وينبغي شرح تفاصيله كاملة للبنانيين، على أن يمتد هذا النهج ليشمل جميع المناطق اللبنانية. لقد انتهى الوقت، وحُسم النقاش. الأرض حسمته، والنتائج السابقة حسمته. لبنان بعد يوم واحد من الذكرى العشرين لـ14 آذار، حيث ارتفع مطلب خروج الجيش السوري من لبنان ونزع سلاح الميليشيات. في ذلك الوقت، نجح المطلب الأول، لكن بقيت أدوات "الأسد" في لبنان. أما اليوم، ومع كل التغيرات في المنطقة، "الأسد" هرب، وهذه الأدوات فقدت دورها وسرديتها، وحان أوان تطبيق المطلب الذي لم يتحقق منذ عشرين عاماً. سئم اللبنانيون العناوين الرنانة والخطابات الفارغة؛ سئموا التأجيل والمراوغة، هم يريدون روزنامة تنفيذية واضحة، وإلا فإن الفرصة ستضيع هذه المرّة، وسيكون لبنان أمام سنوات أخرى من الاستقرار السلبي، بانتظار انفجار جديد يعيد البلاد إلى الدمار.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك