فيما يرمّم رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون صورة لبنان الدولية، تمهيداً لاستعادة دوره الطبيعي، يواصل»حزب الله» محاولات الالتفاف على الواقع الجديد الذي لن يستسيغ هضمه لا في أمعائه ولا في مخيّلته. وبعد أن فرغت جعبته من وسائل السطوة والهيمنة العسكرية والسياسية على الحكم، يسعى إلى «هرطقة» الاتفاق الموقّع بين لبنان وإسرائيل في 27 تشرين الثاني 2024، للتنصّل من ترتيباته وآلياته التطبيقية.
كيف لا و»الحزب» المؤمن بمشروعه فقط، احترف «بدرجة ممتاز» لعبة نكث العهود تجاه كلّ ما يشكّل فرصةً لبناء الدولة. سجلّه الانقضاضي حافل، منذ إسقاطه مفاعيل تحرير الجنوب عام 2000، إلى كسر اليد التي حاولت احتضانه عقب خروج الاحتلال السوري (2005)، ثمّ التنصّل من القرار 1701 بعد حرب تمّوز، إلى انقلابه على حكومتي فؤاد السنيورة وسعد الحريري واللائحة تطول.
وبما أنّ الزمن الأول تحوّل، وخارت معه قواه التعطيليّة والإكراهية، يلجأ «حزب الله» بين الحين والآخر إلى استعمال قنابله الصوتية أو المرئية أو المكتوبة، لقصف جبهة القرارات الدولية المتعلّقة بلبنان. ومن أبرز إبداعات «الممانعة» في تسويق البِدَع ونشر مغالطاتها، تلك التي تعتبر أن بنود وقف إطلاق النار التي وافقت عليه الحكومة اللبنانية، لم تلحظ أي قرار غير الـ 1701. كأن القرار المذكور لا علاقة له بالقرارات الأخرى. واللافت هنا، أن «الحزب» الذي لا يؤمن إلا بما هو غير شرعي، كمنطق وحدة الساحات الذي أغرق نفسه ولبنان في جحيمه، لا ينطبق منطوقه الوحدوي أو الترابطي على وحدة القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان. ويروّج في السياق ذاته، بأن «الترتيبات»، تنصّ بوضوح (وفق ظنّه) على أن نطاق عملها محصور بمنطقة جنوب الليطاني.
يُعلّق مصدر دبلوماسيّ على هذه النقطة، مشيراً إلى أنه من المفيد العودة إلى نصوص القرارات الدولية ومنها الـ 1701 الذي يشدّد في النقطة الثالثة منه على «أهميـة بسط سـيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانيـة وفق أحكام القرار 1559 (2004) والقرار 1680 (2006) والأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف».
هذه الفقرة، لا تحمل أي اجتهادات أو تفسيرات ملتبسة، وبمجرّد الحديث عن القرار 1701، يسري تلقائيّاً وبحكم القانون الدولي على القرارين 1559 و1680 في الوقت ذاته. كما ورد في مقدّمة «الترتيبات» أنه «على كل من لبنان وإسرائيل تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701 بشكل كامل مع الإقرار بأن القرار 1701 يدعو أيضاً إلى التنفيذ الكامل للقرارات السابقة لمجلس الأمن الدولي» بما في ذلك نزع سلاح جميع المجموعات المسلّحة في لبنان «بحيث تكون القوّات المسلّحة اللبنانية» ويسميها بالاسم «هي القوّة الوحيدة المخوّلة حمل السلاح في لبنان».
وفي سجن النكران الإنفرادي الذي يمكث داخله «حزب الله» ومعه إيران، لم تنسَ الأخيرة موقف رئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون، القاسي والجريء والجديد، عندما زار وفدها الرفيع قصر بعبدا، قبل تشييع الأمينين العامّين السيدين حسن نصرالله وهاشم صفيّ الدين.
وبعد القمّة اللبنانية - السعودية في الرياض، أعلن مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، بوقاحة، أن «حزب الله» سيواصل مسيرة المقاومة بقوة»، وفجّر هذيانه هذا، بربط سببيّة استمرار «المقاومة»، بدعمها من غالبية الشعب اللبناني.
في الخلاصة، تُشير مواقف «المحور»، إلى حالٍ من الإرباك والانقطاع الرهيبين عن الواقعين اللبناني والإقليمي، عمّا تريده الغالبية المطلقة من اللبنانيين، كما عن القرارات الدولية التي ولّى عن «ظهر» تطبيقاتها زمن البدع والهرطقات والالتفافات ومصيدة الوقت.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك