شكّلت فسحة إعداد البيان الوزاري أفضل اختبار للنوايا، ولمدى الاستعداد للتسهيل أو للتعطيل. ولم يعد التعطيل في الأساس متاحاً بالقدر المتاح ماضياً، لا سيما مع انقلاب المعادلة داخل الحكومة، بعدما كانت لمصلحة الثنائي "أمل" و"حزب الله" مع "التيار الوطني الحر"، وباتت لمصلحة الرئيسين عون وسلام والقوى السيادية وعلى رأسها "القوات اللبنانية". وبات "الثنائي" في حالة تنازع بين الحرص على إيجابية هادئة يعبّر عنها الوزراء القريبون من "أمل"، وحرص مواز لدى الوزيرين القريبين من "حزب الله" على الاندفاع المدروس في بعض الجوانب من دون الذهاب بعيداً، انطلاقاً من إدراك حقيقة المعادلة وعدم القدرة على العرقلة. وعكست النقاشات إرادة واضحة في إبراز عنوان أولوية الدولة وسيادة قرارها، ولو بشكل ملطّف ومن دون تحدّ نافر.
وكشفت المداولات ضمن اللجنة الوزارية لصياغة البيان الوزاري، ومن ثم ضمن مجلس الوزراء لإقرار مشروع الصيغة، أن حضور "الثنائي" على مستوى الفعل والقرار كان "على قدّه"، أي على قياس حجمه في الحكومة، إذ كانت العادة أن يتجاوز حجمه بالاستناد إلى مفاعيل السلاح.
ولفت في المداولات تمايز وزاري محدود نسبيّاً بين "أمل" وبين "الحزب". وكان وزير المال ياسين جابر المحسوب على "أمل" هادئاً ولم يتكلّم كثيراً ولم يبد اعتراضات نافرة. فيما تولّى الوزيران محمد حيدر وركان ناصر الدين المحسوبَين على "الحزب" خوض النقاشات التي تميّزت أحياناً بحماوة مدروسة إذا جاز التعبير. ولعلّ النقطة التي اتخذت طابع المواجهة الشديدة واحتاجت وقتاً لإقرارها هي إضافة كلمة "حصراً" إلى العبارة التي تنصّ على بسط سيادة الدولة على جميع أراضيها، بقواها الذاتية "حصراً"، وهكذا كان.
وتبدي أوساط سيادية ارتياحها المبدئي بنسبة كبيرة وإن لم يكن ارتياحاً مطلقاً وكاملاً للبيان الوزاري، علماً أن الرئيس نواف سلام ليس سهلاً في الاقتناع ببعض النقاط، فيما يقوم رئيس الجمهورية بدور الضامن والمستوعب أحياناً. وتقول الأوساط إنّ البيان الوزاري يصب في السياق الطبيعي لتطور الأمور، وإن تضمّن تدوير بعض الزوايا، لأن تكوين الحكومة يستتبع تغليب منطق التوافق في نهاية المطاف. لكن الأهم، هو أن مسيرة استعادة القرار للدولة السيّدة والمتماسكة تتقدم.
وتشير الأوساط نفسها إلى أن نقاشاً تخلل الإعداد لمشروع البيان وتمثل بطرح أحد الوزراء السياديين إعلان حالة الطوارئ أقله في المطار ومحيطه وعلى طريقه، وصولاً إلى قلب العاصمة، لاحتواء بعض المحاذير الأمنية. لكن تمّ صرف النظر عن هذا الاقتراح، لا سيما أنّ الرئيس عون اعتبر أن الإجراءات المتخذة تعوّض هذه الخطوة وتوفّر على الحكومة عوامل ضاغطة إضافية.
وتشدد الأوساط من ناحية أخرى على أن البيان الوزاري، يفتح نافذة مهمّة لاستعادة الثقة الخارجية بلبنان. لكن المطلوب في الوقت عينه ، خطوات إجرائية وميدانية تبلور الالتزام بضرورة استعادة الدولة سيادتها الكاملة وصولاً إلى حظر وتسليم كل سلاح غير شرعي أو خارج عن سلطتها، وإلا لا أموال ولا إعادة إعمار مع استمرار التهديد الذي يمثله "حزب الله". ويندرج تمويل "الحزب" في هذا الإطار. ومن هنا، تُفهم الرسالة الأميركية الواضحة التي تبلّغها الرئيسان عون وسلام بضرورة منع الطيران الإيراني من النزول في مطار بيروت تحت طائلة تعرّض المطار للقصف والتدمير.
وتخلص الأوساط إلى القول إن الأهم هو تمرير المرحلة بمزيج من الحزم في التزام عنوان استعادة سيادة الدولة، ومن الطمأنة حيال التصدي لأي محاولة لإثارة الفتنة، لا سيما أن الأجواء الإقليمية والدولية توحي بأن المواجهة مع إيران "ما خلصت بعد".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك