في عالم السياسة الذي لا يعرف الثبات، تُعدّ الخسارة الحربية تجربة قاسية تُغير من معالم السلطة، وتفتح أمام الكيانات السياسية آفاقًا جديدة من التفاوض مع الذات ومع الواقع. بعد خسارته في الحرب الأخيرة، وجد حزب الله نفسه في أزمة وجودية عميقة، إذ تحول من قوة عسكرية وسياسية يُنظر إليها بنوع من الهيبة إلى كيان يكافح لاستعادة صورته أمام الرأي العام المحلي والدولي. في ظل هذه الأزمة، اتخذ الحزب من الشوارع ساحة للنزاع، حيث يُمارس ضغطه من خلال إغلاق طرق حيوية مثل طريق المطار، مستغلًا هذه التحركات لتشكيل صورة الضحية التي تحاول أن تبرر الخسارة وتخفيها خلف ستار من الإنكار.
التحول من القوة المهيمنة إلى الضحية: استراتيجيات التمثيل والسيطرة
عندما يخسر كيان سياسي معركة مفصلية، يصبح السرد القصصي والسياسي أداة رئيسية لإعادة صياغة الواقع. لقد لجأ حزب الله إلى استراتيجية تبدو على سطحها احتجاجية واجتماعية؛ فقد قام بإغلاق بعض الطرق الحيوية، مثل طريق المطار، ما أثار جدلاً واسعًا في الأوساط المحلية. هذه التحركات لم تكن مجرد إجراءات أمنية، بل حملت دلالات رمزية عميقة، إذ حاول الحزب بذلك أن يُعيد تعريف نفسه كضحية لظروف خارجية قاهرة، وكمنظمة مُظلومة تتعرض لضغوط وتدخلات متكررة. يُظهر هذا التصرف ميل الحزب إلى استخدام المظاهر الحضرية والأحداث اليومية كوسيلة لإعادة تشكيل السرد السياسي لصالحه، في محاولة لاسترجاع شرعيته ومصداقيته في أعين أنصاره.
قراءة سيكولوجية في مراحل تخطي الموت السياسي
يمكن تحليل هذا السلوك من منظور السيكولوجيا التي درست مراحل التغلب على الخسارة والفقدان، حيث يمر الإنسان بمراحل متعددة عند مواجهة موتٍ أو خسارةٍ عميقة. وفقًا لنموذج كوبلر روس (Kubler-Ross) للتعامل مع الفقدان، يمكننا ملاحظة بعض المراحل التي يبدو أن حزب الله قد مرّ بها أو ما يزال في طريقه للتغلب عليها:
1. الإنكار:
تُعد مرحلة الإنكار هي المرحلة الأولى والأكثر وضوحًا في حالة حزب الله، إذ يظهر الحزب وكأنه يرفض الاعتراف بالهزيمة. يتمثل ذلك في التصريحات الرسمية والسلوكيات التي تُبرز صورة المقاومة وعدم القبول بالواقع المرير، وكأن الخسارة مجرد حادثة مؤقتة لا تُفقده قوته أو مكانته.
2. الغضب والاحتجاج:
ينتقل الحزب بعد ذلك إلى مرحلة الغضب، حيث يُحول مشاعر الخسارة إلى احتجاجٍ شعبي واضح. يظهر ذلك من خلال الإجراءات الميدانية مثل إغلاق الطرق الحيوية، وهي سلوكيات تُعبّر عن رفض السلطة المركزية أو الظروف التي أدت إلى الخسارة، وتُعزز فكرة أنّ الظلم مُمارَسٌ من قِبَل قوى خارجية.
3. المساومة:
في مرحلة المساومة، يحاول الحزب إيجاد حلول وسطى، سواء عبر مفاوضات سرية أو استراتيجيات لإعادة بناء جبهاته السياسية والعسكرية. هذه المرحلة تُظهر ميل الحزب إلى إعادة التفاوض مع الواقع، رغم استمرار الإنكار على المستوى الرسمي، في محاولة لإيجاد نقطة توازن بين الماضي المرير والآفاق المستقبلية.
4.الاكتئاب والتراجع:
قد تلوح في الأفق مرحلة من الاكتئاب السياسي، حيث يبدأ الحزب في مواجهة الشعور بالعجز والخسارة، لكن هذا الوجع غالبًا ما يُحجَب خلف ستارٍ من الإنكار السياسي والإعلامي. فبدلاً من الاعتراف الكامل بفقدان القدرة على التأثير كما كان من قبل، يختار الحزب تجاهل هذه المرحلة أو تأجيلها إلى ما بعد أزمة إعادة البناء.
5. القبول وإعادة البناء:
المرحلة النهائية، والتي لم يصل إليها الحزب بعد، هي مرحلة القبول، حيث يبدأ الكيان السياسي في إعادة تقييم هويته واستراتيجياته بناءً على دروس الماضي. ومع ذلك، يظهر أن حزب الله لا يزال محاصرًا في حالة إنكار شبه مطلقة، مما يعيق عملية التحول الفعلي نحو مرحلة إعادة البناء والتجديد.
الإنكار كاستراتيجية سياسية واجتماعية
يُظهر حزب الله اليوم حالة من الإنكار شبه المطلقة لتلك الخسارة التي تكبدها في الحرب الأخيرة. يعتبر الإنكار ليس مجرد حالة نفسية فردية بل استراتيجية سياسية تهدف إلى الحفاظ على صورة الكيان أمام أنصاره ومنافسيه على حد سواء. ففي محاولته للظهور كضحية، يعتمد الحزب على وسائل الإعلام والتظاهر الشعبي لتضخيم الأبعاد الخارجية للتدخل والظلم، مُتجاهلًا بذلك الحاجة الملحة لمواجهة الحقيقة والاعتراف بنقاط الضعف. هذا الإنكار يؤثر بشكل كبير على العملية السياسية داخل الحزب وعلى قدرته على تبني إصلاحات استراتيجية تساهم في تحديث منظومة العمل السياسي والعسكري.
البعد الفلسفي والسياسي والاجتماعي للأزمة
من منظور فلسفي، تطرح أزمة حزب الله تساؤلات حول طبيعة السلطة والتأثير السياسي في ظل الفشل الحتمي الذي يفرضه الواقع. ففي حين أن السياسة تُعرف بتقلباتها الدائمة، يصبح السؤال: هل يمكن أن تتحول الخسارة إلى فرصة لإعادة التأمل في أسس الكيان وهوية القوة؟ أو فرصة للدخول في تطبيق القرارات الدولية و الدخول الحقيقي في مفهوم الدولة السيادية دون الخضوع للوصي الإيراني؟
على الصعيد الاجتماعي، تُظهر الإجراءات الاحتجاجية مثل إغلاق طريق المطار كيف يمكن للأحداث اليومية أن تتحول إلى رموز سياسية تُعيد تشكيل الخطاب العام. إذ يستغل الحزب هذه التحركات كأدوات لتأجيج مشاعر التضامن بين مؤيديه، مما يُعزز من دوره في ساحة النقاش السياسي ويُعيد توزيع القوى بين مختلف الأطراف. وفي هذا السياق، يُعد الإنكار السياسي وسيلة لبناء جدار دفاعي يحمي صورة الحزب من الوقوع في دوامة الانتقادات التي قد تؤدي إلى تفكيك بنيته الداخلية.
في النهاية، تُظهر أزمة حزب الله الحالية بعد خسارته في الحرب الأخيرة كيف يمكن للكيانات السياسية أن تتحول من قوة عسكرية وسياسية إلى حالة من الإنكار والاحتجاج التي تحمل بين طياتها ملامح تحول وجودي عميق. يعتمد الحزب على استراتيجيات تظهره كضحية للظروف الخارجية، وفي نفس الوقت يُستخدم الإنكار كآلية دفاعية للحفاظ على شرعيته ومكانته بين أنصاره. من منظور سيكولوجي، تُبرز مراحل التغلب على الخسارة مدى صعوبة مواجهة الواقع المرير، ومن منظور فلسفي سياسي اجتماعي، تطرح الأزمة تساؤلات حول إمكانية تحويل الفشل إلى فرصة لإعادة البناء والتجديد. يبقى السؤال: هل سيخرج حزب الله من حالة الإنكار هذه ليستعيد دوره كفاعل سياسي قادر على تجديد ذاته، أم سيظل عالقًا بين مضامين الماضي والأوهام المستقبلية؟
طريق الإنكار: رحلة حزب الله من الهزيمة إلى دور الضحية
الــــــســــــابــــــق
-
"الوكالة الوطنية": مسيّرة إسرائيلية تلقي قنبلة على ساحة كفرشوبا بالقرب من المدرسة
-
معلومات mtv: البيان الوزاري سيتضمن بنوداً تتعلق بالاصلاحات المالية والاقتصادية واللامركزية الادارية والمالية كما اشارة الى مطار القليعات
-
البطريرك الراعي: لبنان يبدأ مرحلة جديدة
-
الرئيس عون: نتابع الاتّصالات لدفعِ إسرائيل على الالتزام بالاتّفاق والانسحاب
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك