كتب عقل العويط:
أنْ تشتغل في السياسة، يعني في الضرورة أنْ تكون "سياسيًّا". وأنْ تتعامل مع الوقائع والمعطيات السياسيّة. ومع الأطراف السياسيّين. ومع الأحزاب. وأنْ تتفاعل مع المكوّنات. والمذاهب. والطوائف. ورجال الدين. ورجال الدنيا. وأنْ تأخذ في الاعتبار قطّاع الطرق. والعصابات. والسرّاق. والمافيات. والمهرّبين. والقتلة. وحاملي السلاح. ومروِّعي الناس. وفارضي الخوّات. وتخرج مثل الشعرة من العجين.
أنْ تكون سياسيًّا، يعني أنْ تكون عارفًا بالدستور. والميثاق. والعرف. ومتى يجب تطبيقها، ومتى يمكن، ومتى لا يمكن. وأنْ تكون من رافعي شعار الوحدة الوطنيّة. ولزوم لمّ الشمل. فتكون مع الجيش حاملًا وحده السلاح، وتكون في الآن نفسه قابلًا – عملانيًّا – بما يناقض احتكار الدولة وحدها حمل السلاح، فتجمع الأضداد. وتدوّر الزوايا. وهذا يقتضي أنْ ترى الأمور من جوانبها كافّةً، أي من داخل ومن خارج، ومن فوق ومن تحت، ومن شرق ومن غرب، ومن شمال ومن جنوب. وفي الواقع كما في المنام.
فهذا يعني أنْ تحسن التعامل مع هذه "القضايا" كلّها، وغيرها كثيرٌ كثير، من مثل "قضيّة" المسيرات بالدرّاجات الناريّة، بالأدوات والوسائل المناسبة، فتبتعد وتقترب، وتلين وتقسو، وتمهل وتهمل، وتسرع من دون أنْ تتسرّع، وتغضّ وتتجاءم، وتقتحم وتتراجع، وتعبس وتنفرج أساريركَ، من دون أنْ يبدر منكَ ما يفيد أنّكَ مع أو ضدّ، فتكون هنا وتكون هناك. وتقول الشيء وتقول نقيضه، من دون أنْ تتناقض مع ذاتكَ، أو تناقض ذاتكَ. وهذا يتطلّب منكَ أنْ تكون شاطرًا، بمعنى الشطارة، وأنْ تكون ملمًّا بالقسمة والنصيب، شاطرًا ومشطورًا، وقاهرًا ومقهورًا، وخاسرًا ورابحًا، فترضي نفسكَ ويرضى عنكَ الآخرون، جميع الآخرين. وإلّا بطلتَ أنْ تكون "سياسيًّا"، ورجل سياسة.
وهذه كلّها مواهب يقذفها الله في صدر المرء وفي عقله، فلا يعود أحدٌ في مقدوره أنْ يضع لكَ لغمًا في طريق، أو ينصب لكَ فخًّا، ولا تعود تفوتكَ شاردةٌ ولا واردة. وعندما يسقط الليل، ويذهب كلٌّ إلى فراشه، تعود أنتَ إلى بيتكَ، مطمئنًّا أنّ الشأن العامّ هو هذا الشأن العامّ، لا سواه، على الرغم من كلّ ما يُقال في الأدبيّات، ويناقض الصورة الموصوفة أعلاه.
وبهذا وغيره، إذا أردتَ أنْ تكون رئيسًا ومكلّفًا، تحفظ رأسكَ، وترعى عهدكَ.
وهذه لعمري هي السياسة. وهذا لعمري هو السياسيّ.
وما عدا ذلك، إنّما هو أضغاث أحلامٍ وأوهامٍ، ليست من الواقع في شيء.
وأرجو أنْ أكون خاطئًا ومخطئًا. وإلى أبد الآبدين. آمين.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك