حتى الدستور في لبنان حوّلهُ البعض إلى وجهةِ نظر، فألبسوهُ ما شاؤوا بما يتوافق مع طموحاتهم وجشعهم السياسي... تذاكٍ، واستهزاء، وعراقيل، فرملت عمليةَ تشكيل الحكومة، بعدما كان توقّع كثرٌ أن تبصرَ النور خلال أيام قليلة أو حتى في الساعات الـ48 الاولى التي تبعت تكليفَ نواف سلام... فإذ بمخاضها يدخلُ الاسبوع الثالث. فما الذي يقولهُ الدستور فعليّا؟
على عكس كلّ ما يشاع، لم يعطِ الدستور أيّ حصةٍ وزاريّة لأي فريقٍ سياسي أو حزبٍ أو كتلةٍ برلمانية، بحسب ما يؤكد الاستاذ في القانون الدولي والمحامي في بيروت وباريس الدكتور أنطوان صفير، مؤكدا أنه يمكنُ لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف أن يشكّلا الحكومة كما يريانه مناسبا، وهما ليسا مُلزمين بقبولِ مطالبِ أيّ طرف كان، إن كان ذلك بالنسبة للأسماء أو حتى للحقائب الوزارية وإلا تتعطّل سلطتهما التي منحهُما إيّاها الدستور بشكلٍ حصريّ كصلاحية متكاملة ومشتركة.
ينطلقُ صفير مما حصل يوم الاحد الماضي في الجنوب، ليشدّد في حديث لموقع MTV على ضرورةِ الإسراع بتشكيل الحكومة، "فالرئيس جوزاف عون تابعَ شخصيّا ما حصل جنوبا وحضّ المرجعياتِ الدولية على لجم ما يحصل ومنع تطوّرها، وهو قام بجهودٍ جبّارة، فيما كان الاجدى أن تكون لنا حكومة تساندُ الرئيس وتقوم بمهامها في هذه المرحلة الخطيرة التي يمرّ بها لبنان". ويلفت في الإطار نفسه إلى ان هناك ضرورة وطنية وسياسيّة بمساندة العهد الجديد وتطبيق خطاب القسم الذي عبّر عنه رئيسُ الجمهورية، وذلك يكون من خلال تشكيلِ حكومةٍ وفقا للمعايير الدستورية والوطنية.
ويشرح صفير أن المعاييرَ الدستورية تعني أن يشكّل رئيسُ الجمهورية والرئيس المكلف الحكومةَ وفق صلاحيّات دستوريّة متكاملة بينهما، تنطلق ممّا يطرحهُ رئيس الحكومة من أسماء وتصوّر للحقائب الوزارية، مرورا بالنقاش الذي يحصل بينهما والاتفاق على التشكيلة باسمائها وحقائبها بغية إصدارِ مرسومِ تشكيلِ الحكومة يكون موقّعاً من الرئيسين، مضيفاً: "هذا المرسوم ينطلق ممّا أعطاه الدستور لرئيس الجمهورية والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة من دون الرجوع إلى أي سلطة أخرى، بمعنى أنه يمكن لعون وسلام أن يختارا الاسماءَ والحقائبَ بشكل تقديريّ ويضعاها في المرسوم ويصدراه"، على ان تنتقلَ من بعدها العملية إلى ملعبِ مجلس النواب الذي ستُلقى على عاتقه مهمّة إعطاء الثقة للحكومة المشكّلة.
أما في ما يتعلّق بالمعاييرِ الوطنية، يضيف صفير، "فيجب أن تعبّر الحكومة عن خطابِ قسم الرئيس وعن المرحلة الجديدة التي دخلها لبنان، والتي يجب أن تتلازمَ مع إعادةِ تنظيمِ مؤسّسات الدولة وإطلاق عجلةِ القضاء وتفعيل المؤسسات الرقابية، إضافة إلى الخطة الاقتصادية الشاملة، والمصارف والودائع، والمسؤوليات الجسام المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بسيادة لبنان ووضعيّته التي كرّسها الإعلانُ الدولي الملزم بشأن بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي والمرافق اللبنانية المدعوم من دول المجموعة الخماسيّة".
ويوضح صفير أنه من الطبيعي أن يُصار إلى استمزاج آراء الاحزاب والكتل السياسية حتى يكون لدى الحكومة أكبر قدرٍ ممكنٍ من الدّعم في مجلس النواب، والذي يُترجم لاحقا بدعمٍ سياسيّ للمشاريعِ الكبرى، كاستنهاض الإدارة والقضاء، والحلول للأزمة الاقتصادية والنقدية، وكيفية التزام تنفيذ مختلف القرارات ومنها الـ1701 وما يتفرّعُ عنها.
إذًا فإن الدستور واضح بالنسبة لتشكيل الحكومة، وهو حدّد الصلاحيات، ولم يشرّع أبواب الحكومة أمام المحاصصة ، ولم يترك بين سطوره أيّ مجالٍ للتذاكي يسمحُ لأيّ كان بفرضِ شروطه ووزرائه او حتى الحقائب... الدستور قالها، ويبقى على المعنيين أن يطبّقوا... لأن الإطباق على البلد "ولّى زمنه"!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك