يحاول حزب االله بكل الوسائل والطرق، إيهام اللبنانيين، وجمهوره خصوصاً، انه لا يزال بالقوة العسكرية والسياسة، التي كان عليها قبل خوض حرب المساندة لحركة حماس في الحرب الإسرائيلية ضدها، كما سماها، وانه انتصر فيها على العدو الاسرائيلي، لأنه مايزال موجوداً، ويسعى من خلال الظهور المبرمج للأمين العام لحزب االله الشيخ نعيم قاسم وإطلاقه سلسلة من المواقف والتهديدات والوعود ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، اذا لم تنسحب من الاراضي اللبنانية التي احتلتها جنوبا، وتارة اخرى بالإعلان عن ان صبر الحزب قارب على النفاد، جراء استمرار خرقها لاتفاق وقف النار، وقيامها بالاعتدءات ضد المدنيين وتفجيرها لمنازل ومنشآت القرى والبلدات المحتلة بالجملة، ليكرر ما كان يفعله سابقا، بانه قادر على المواجهة والحرب، لتتمخض تهديداته بالنهاية، كما سائر نواب الحزب، بدعوة الدولة لتحمُّل مسؤولياتها في كبح جماح إسرائيل وحملها على الالتزام بتنفيذ قرار وقف اطلاق النار والانسحاب من الاراضي اللبنانية المحتلة.
هذه الوقائع والممارسات، تظهر بوضوح ان الحزب يحاول قدر الامكان إعطاء انطباع للداخل اللبناني، أكثر من الخارج، ان الضربات الموجعة التي تلقاها باغتيال كبار المسؤولين فيه لم تنل منه، وان انسحابه من الجنوب تحت ضغط القصف والتدمير الاسرائيلي، ومصادرة إسرائيل لقسم كبير لسلاحه وصواريخه وتدمير البقية من مستودعاته ومصادرتها من قبل قوات الامم المتحدة، والجيش اللبناني، لم يؤثر عليه.
كعادته كما حول حرب تموز الإسرائيلية عام ٢٠٠٦، من مقولة «ليتني كنت اعلم» التي اطلقها الامين العام للحزب يومذاك السيد حسن نصراالله، للتعبير عن اسفه لحجم الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي تسببت بها تلك الحرب في لبنان، بعد ان اقدم حزب االله على عبور الحدود، وخطف جنديين إسرائيليين، وتصويرها بعد ذلك بالانتصار "الالهي"، يسعى اليوم إلى قلب الوقائع والمتغيرات الدراماتيكية، التي اصابت الحزب بالصميم من خلال اغتيال نصراالله بالضاحية الجنوبية وكبار القادة العسكريين، واحتلال إسرائيل لقرى ومناطق واسعة من الجنوب، وتدميرها بشكل شبه كامل، وسقوط نظام بشار الاسد، حليف ايران والحزب الاستراتيجي وانقطاع خط الامداد العسكري والمالي المباشر من ايران، كلها متغيرات تعاكس مقولة ان الحزب انتصر في هذه الحرب، ناهيك عن موافقته البائسة لاتفاق وقف النار وبشروط، أقل ما يقال فيها بانها مذلة، ليصور هذه التراجعات والخسارة، بالانتصارات الوهمية.
تجاهل الحزب ان قلب الوقائع والنتائج لا يفيد في ظل المتغيرات، التي طالت الوجود، كما النفوذ الايراني، بالداخل اللبناني كما في سوريا، وجزئيا في العراق أيضًا.
وبعدما كان الحزب مانعًا لاجراء الانتخابات الرئاسية، بحجة انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزّة، وقبلها بذريعة اجراء حوار وطني مسبق، تم انتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيسا للجمهورية، خلافا لرغبة الحزب وتوجهاته، كما تمت تسمية رئيس للحكومة اللبنانية، مخالف لما كان يسعى اليه الحزب.
الان يحاول الحزب توظيف عودة اهالي الجنوب إلى قراهم وبلداتهم، والتي مايزال بعضها تحت الاحتلال الإسرائيلي، لتلميع صورته الباهتة، وتحسين شروطه بتأليف الحكومة الجديدة، ويوهم من خلال إعادة تكرار تجربة القمصان السود، بمواكب دراجات الفتنة الصفراء، بشوارع العاصمة، انه قادر على قلب معادلة التاليف، اذا لم تكن لمصلحته ونفوذه السابق.
ولكن كل هذه العراضات الفتنوية، لن تعوض الحزب ما خسره عسكريًا، بحرب المساندة، ولن تعيد هيمنته بالداخل وعلى مؤسسات الدولة، ولا في تغيير قواعد اللعبة السياسية، أو تغيير موازين القوى الاقليمية والدولية، التي لم تعد لصالحه، كما كانت من قبل.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك