من الإصلاحات المطلوبة، إذا سار العهد الجديد نحو تغيير وظيفة لبنان الاقتصادية وتحويله إلى مركز جذب للاستثمارات ونحو اقتصاد المعرفة، تعديل النظام الضريبي الذي يعتبر الأرضية الأساس لتأمين بيئة الأعمال في أي بلد في العالم، والجزء الأساسي من السياسات الاقتصادية التي تعتمدها الدول.
ترتكز البيئة الملائمة لجذب الاستثمارات، على سهولة ممارسة الأعمال من خلال توفير البنية التحتية المؤهلة (اتصالات، كهرباء، مواصلات)، نظام مكننة في الإدارات العامة (لتسهيل وتسريع المعاملات) وصولاً إلى نظام ضريبي يضمن العدالة المالية، ويدعم الأعمال، ويحفّز الاستثمارات من خلال خلق مناخ أعمال تنافسي إقليمياً وعالمياً.
عيّنة من الضرائب التنافسية
تصل الضريبة على أرباح الشركات في لبنان إلى 27 في المئة في حين أنها تبلغ الصفر في المئة في حال كان الدخل السنوي لا يتجاوز الـ100 ألف دولار في الإمارات، و9 في المئة على الدخل السنوي الخاضع للضريبة الذي يزيد على 100 ألف دولار، لذلك يتمتّع النظام الضريبي في الإمارات بالنسب الأكثر تنافسية في العالم. أما في السعودية، فتتراوح الضريبة على أرباح الشركات بين 5 و15 في المئة، وفي قطر تبلغ 10 في المئة، وفي قبرص التي حوّل جزء كبير من اللبنانيين استثماراتهم إليها أيضاً، فتتراوح ضريبة أرباح الشركات بين 12 و15 في المئة.
يُشكل النظام الضريبي أساس أيّ تحديات سواء كانت طويلة أم قصيرة المدى. ويحتاج النظام العقيم الحالي، بقاعدته الضيقة وثغراته الكبيرة والتراجع البالغ في الإيرادات، إلى إصلاحات كبرى. فما هي تلك الإصلاحات؟
في هذا الإطار، شرح الخبير في الشؤون الضريبية المحامي كريم ضاهر أن الانطلاقة يجب أن تكون عبر تحسين الجباية إلى حين زيادة قاعدة المكلّفين بالضريبة، مشيراً إلى أن تحسين النظام الضريبي ليكون فعّالاً، لا يمكن أن يحصل إذا لم يكن النظام عادلاً. موضحاً لـ"نداء الوطن" أنه "يجب أن تكون هناك مساواة بين المكلّفين، أي أنه لا يمكن أن تكون هناك فئة تسدّد متوجباتها وفئة لا تسدّدها نتيجة رفض المكلّف تسديد الضرائب وضعف المواطنية الضريبية، بسبب غياب الدولة التام عن القيام بدورها الراعي".
وأضاف: من أجل تحقيق المساواة بين المكّلفين، يتوجّب على الدولة تأمين الخدمات البديهية وعليها أن تبرهن للمكلّفين أن الضرائب التي يسددونها، لا تؤول إلى فئة معيّنة ولا تُهدر، بل تصبّ في مصلحتهم كمواطنين.
- أوّل الغيث في هذا السياق، هو اعتماد سياسة ضريبية موجّهة عبر تطبيق ما يسمّى بالضرائب التخصيصية، أي الخروج من مبدأ الشيوع والشمول لمرحلة معيّنة من خلال تحديد ضرائب earmarked taxes تكون إيراداتها مخصّصة لشؤون معيّنة.
على سبيل المثال، أوضح ضاهر، أنه بهدف إنشاء شبكة أمان اجتماعية، يمكن فرض ضريبة إضافية تضامنية على بعض النشاطات المضرّة بالصحة مثل التبغ والمشروبات والكسارات أو الإسمنت وغيرها، تعود إيراداتها لتمويل شبكة الأمان الاجتماعية بدلاً من خزينة الدولة.
من الاقتراحات الأخرى للضريبة التخصيصية، تحويل إيرادات الضريبة على أعمال الصيرفة التي تفرضها وزارة المال، والضريبة على إعادة تسديد الديون بأقلّ من قيمتها والضريبة على الدعم في حال القيام بالتدقيق الجنائي، إلى صندوق استرداد الودائع بدلاً من خزينة الدولة.
- فرض ضريبة على العقارات غير المشغولة Vacancy tax وهي ضريبة بفوائد مضاعفة، أوّلاً تساهم في خلق سياسة سكنية وتأمين مساكن، وبالتالي خفض بؤر الفقر، وثانياً، تساهم في تنشيط الاقتصاد من خلال سعي أصحاب العقارات الشاغرة إلى تأجيرها أو تلزيمها، مما يخلق حركة اقتصادية.
- إعطاء القطاعات الواعدة في المناطق حوافز ضريبية من أجل تحقيق التنمية المستدامة والمتوازنة.
- ضبط التهرّب الضريبي عن طريق المكننة التي ستسمح بالتقصّي من خلال الواجهات الإلكترونية، بالإضافة إلى تطبيق القوانين (قانون الإجراءات الضريبية وقانون الرقم الضريبي الموحّد على جميع المكلّفين رقم 144، الذي طلب من البلديات إجراء مسح للمؤسسات وتحديد المسجّلة وغير المسجّلة منها في المالية).
وشرح ضاهر أن تلك الإجراءات الأوّلية ستساهم في استعادة المواطنة الضريبية عندما يتأكد المكلّفون أنهم يتلقون الخدمات مقابل الضرائب التي يسددونها، وعندما تصبح هناك مساواة بين المكلّفين، مما سيعيد العدالة الضريبية ويمهّد الطريق أمام اعتماد سياسة ضريبية تتلاءم مع الأهداف التي تريدها الدولة وأوّلها استعادة لبنان مركزه كبلد جاذب للاستثمارات. مؤكداً أنه لا يمكن لعب هذا الدور في حال كانت السياسة الضريبية متشدّدة بالنسبة للأعمال والشركات، حيث يجب خفض النسبة الضريبية على الشركات لتكون معادلة لبلدان مجاورة مثل قبرص ودبي. مشدداً على أن الأهمّ من ذلك هو إصدار قانون خاص بالاستثمار يحمي المستثمرين ولا يعرّضهم للأزمات والتغييرات في قوانين الضرائب، ويعتمد على آلية tax ruling تمنح المستثمر حوافز معيّنة على مدى 5 سنوات ونسبة ضريبية معيّنة... على أن يترافق ذلك مع إصلاحات في البنية التحتية.
- ومن أجل تحصيل الإيرادات ورفع حجمها، أكد ضاهر ضرورة تطبيق قانون الضريبة الموحّدة على الدخل، بدلاً من النظام الحالي القائم على الضرائب النوعية. كما شدّد على أهمية تفعيل الحركة الاقتصادية وخلق نمو اقتصادي يكون كفيلاً في زيادة حجم الأعمال وبالتالي الإيرادات الضريبية.
من جهته، أوضح إسكندر البستاني من جمعية "فاينانشلي وايز"، أن موضوع النظام الضريبي معقّد لسبب أن تصميمه يرتكز على مبدأين مفاعيلهما متناقضة وهما الفعالية والعدالة، "وغالباً عندما يكون النظام الضريبي فعّالاً يكون أقلّ عدالة، حيث أن السعي لتحسين تنافسية الاقتصاد يؤدّي إلى الاتجاه نحو تخفيض الضرائب على الرساميل على سبيل المثال، أو فرض ضريبة نسبية كما هي الحال اليوم في لبنان، والتي تعتبر فعّالة مقارنة بالضريبة التصاعدية على رأس المال والتي تساهم في هروب رؤوس الأموال عامّة".
وشرح البستاني لـ"نداء الوطن" أن الاختيار بين العدالة والفعالية هو جزء من سياسة اقتصادية عامة حيث أنه لا يمكن الحديث عن إعادة تصحيح النظام الضريبي من دون التطرق إلى العقد الاجتماعي ومن دون إجراء حوار وطني صريح يتوافق على شكل النظام الضريبي الذي يريده العهد.
وأشار إلى أنه من أجل تحديد مدى تنافسية النظام الضريبي في أي بلد، يجب مقارنته بالدول المجاورة أو بالبلدان التي يسعى إلى منافستها، "علماً أن الشقّ الضريبي وحده، غير كافٍ لتحسين بيئة الأعمال وتنافسية الاقتصاد لأن المطلوب بالتوازي هو إصلاحات في البنية التحتية، وفي سهولة الحصول على الرخص وإنشاء الشركات، وفي سرعة المعاملات الإدارية..."، لافتاً في هذا الإطار إلى مؤشر البنك الدولي بعنوان doing business indicator الذي يحدّد الإصلاحات الضريبية المطلوبة لتحسين بيئة الاعمال، بالإضافة إلى مؤشر world competitiveness indicator الذي يقيس تنافسية الاقتصاد، ويحدّد الإجراءات المطلوب العمل على تطبيقها من تبسيط الإجراءات الإدارية، تعديل القوانين والإصلاحات الضريبية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك