كتب أنطوان مراد في "نداء الوطن":
سال وسيَسيل حبر كثير لفهم ما حصل من تحوّلات دراماتيكية، بدءاً بانتخاب جوزاف عون رئيساً وصولاً إلى تكليف نوّاف سلام تأليف الحكومة وما بينهما من اتصالات و"انقلابات" ومفاجآت. لكن الأكيد، أن عدم التدخل الدولي والعربي في بعض المفاصل، كان له أثر مهم بقدر ما كان لبعض الإشارات غير المباشرة وقعها، علماً أن القوى السياسية في غالبيتها عرفت كيف تقرأ علامات المرحلة، باستثناء "حزب الله" و"أمل" وبنسبة معيّنة "التيار الوطني الحرّ"، أقله في ما خص الاستحقاق الرئاسي.
وتقول أوساط سياسية كانت في صلب الاتصالات الدبلوماسية والداخلية، إنّ الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا "حددتا خيارهما رئاسيّاً منذ أشهر عدة بتفضيل العماد جوزاف عون كأولوية، لتنضم اليهما المملكة العربية السعودية لاحقاً بعد فترة من الحذر والترقّب. ومع ذلك، لم "تطحش" الدول الثلاث بشكل مباشر ونافر بخيار قائد الجيش. لكن ما عزز الارتياح له هو أنه ليس من عداد الطبقة السياسية، وأن التعاطي معه كان أسهل من التعاطي مع كل من الرئيسين نبيه برّي ونجيب ميقاتي، وأن نجاحه في قيادة المؤسسة العسكرية بما تضمه من تنوّع في ظل العواصف من اتجاهات عدة، كان له أثر كبير في تعزيز صدقيته".
وعلى الرغم من هذا المناخ، استمرت المساحة واسعة أمام الفرقاء الداخليين لطرح أو تغليب خيارات عدة، ومن بينها ما تقدمت به المعارضة لـ "الثنائي الشيعي" لجهة تأييد أحد المرشحين جهاد أزعور أو زياد حايك، أقله على سبيل جسّ النبض، لكن "الثنائي" رفض هذا الطرح.
في المقابل، سعى كثيرون إلى تقصّي موقف المملكة، لكنها في لحظة معيّنة أقفلت الخطوط الهاتفية قبل أيام قليلة من موعد جلسة الانتخاب. علماً أن الرياض، وعلى غرار واشنطن، سبق وأبلغت من يعنيه الأمر، بأن إصرار "الممانعة" على الإتيان برئيس يمثلها أو على التمادي في العرقلة ستكون له تبعات مؤلمة، إن بالنسبة لتصعيد وتيرة العقوبات على إيران وحلفائها، كما أشار الأميركيون، أو بالنسبة لعدم الاستعداد لتقديم أي مبلغ لإعادة الإعمار. بل إن الجواب كان مختصراً ومفاده: "إنسوا أي دعم، دبروا أموركم وإعملوا إعماراً لوحدكم"!
أما في ما خص تكليف القاضي نواف سلام تشكيل الحكومة، فيوحي بالتباسات عدّة عتّمت الرؤية بخاصة أمام "الثنائي"، لدرجة ظنّ معها فريق "الممانعة" أن هناك انقلاباً عليه وعلى ما اعتبره ضمانات تلقى وعوداً في شأنها بين دورتيّ انتخاب رئيس الجمهورية. لكن الواقع، أن الرئيس عون نفسه فوجئ أيضاً بما حصل من تحوّلات سريعة. مع العلم، أن الأوساط السياسية المعنية تنفي حصول أي إشارة من المملكة في ما خص التكليف. بينما تردد أن الرئيس ميقاتي وبناء على تمنّ من "الثنائي"، سعى إلى استمزاج رأي اللجنة الخماسية فكان الجواب: "نحن لا نتدخل".
على خط آخر، لم تكن المعارضة في أفضل أحوالها. بل أدركت أن الرهان على النائب فؤاد مخزومي دونه صعوبات، لا سيما وأن جبران باسيل أبلغه بأنه لا يستطيع تأييده. فكان الانتقال إلى اتصالات محمومة ليلاً للتوافق مع مجموعة التغييريين وعدد من المستقلين على اسم نواف سلام، الذي سبق ورشّحته "القوات اللبنانية" من دون سواها عمليّاً، كما رشّحه حزب "الكتائب" وآخرون في مرحلة أخرى. وقد بدا الهمّ الأساسي والقاسم المشترك هو الحؤول دون عودة ميقاتي، لأنه "لن يكون متحرراً من هيمنة فريق الممانعة".
على أن معلومات تكشف أن مرجعية روحية لم تكن متفرّجة كليّاً، بل ساهمت عبر بعض المشايخ بشكل غير مباشر في تعزيز خيار التغيير لا سيما لدى عدد من النواب السنّة، وذلك دعماً لعودة لبنان والحكومة ورئيسها إلى الحضن العربي، بعدما طالت الغربة بين أحضان الخيار الإيراني. بل إن ثمة انطباعاً بأنّ ما توافر لسلام من دعم سنّي فاجأ البعض، يصب في إطار منع تمدد النفوذ التركي أكثر إلى الساحة اللبنانية، على حساب الخيار العربي الذي تمثّله المملكة بخاصة إلى جانب مصر وعدد من الدول العربية الأخرى.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك