قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك خلال مؤتمر صحافي، في ختام زيارته الى لبنان: "عدت من سوريا بالأمس، وقد جئت إلى هذه المنطقة من بلاد الشام كي أعبر عن تضامني مع الشعبين اللبناني والسوري. وصلت وقلبي مثقل بالأحزان بسبب الأزمات المتراكمة التي امتدت لعقود طويلة في كلا البلدين، وهي أحزان شعرت بها مرارا في هذا الجزء من العالم، لكنني أرى بوادر بدايات جديدة".
اضاف: "في لبنان، وعلى الرغم من التحديات الهائلة، أشعر بأن بالأمل يلوح في الأفق. لا يزال وقف إطلاق النار البالغ الأهمية بين لبنان وإسرائيل صامدا إلى حد كبير، وإن كانت التقارير المقلقة تشير إلى استمرار القوات الإسرائيلية بالتدمير في بلدات وقرى في جنوب لبنان. وقد بدأ سكان البلاد الصامدون والشجعان في إعادة بناء حياتهم، خطوة تلو الأخرى".
وتابع: "في الأيام الأخيرة، تم وضع حد للجمود السياسي الذي استمر عامين، مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتكليف رئيس وزراء جديد، ما يفتح الباب أمام إصلاحات من شأنها أن تتيح مستقبلا أفضل لجميع اللبنانيين الذين عانوا سنوات من البؤس الاجتماعي والاقتصادي".
وقال: "مع انتخاب هذه القيادة الجديدة، هناك زخم يدفع نحو تحقيق الاستقرار السياسي والانتعاش الاقتصادي وتنفيذ الإصلاحات الحاسمة التي طال انتظارها، بغية معالجة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية المتعددة وأوجه عدم المساواة التي تهدد لبنان. وتوفر حقوق الإنسان أداة للحوكمة السديدة. كانت هذه رسالة قوية قمت بنقلها".
اضاف: "لقد سلط المجتمع المدني النشط والمتنوع في البلاد الضوء جهارا على أهمية الاحترام الكامل لحرية التعبير وتكوين الجمعيات، من أجل مكافحة التمييز على جميع الأسس، وتحسين مشاركة النساء وتمثيلهن، وضمان المساواة الكاملة بين الجنسين، والاعتراف بالأشخاص ذوي الإعاقة وإدماجهم، وضمان حماية حقوق الإنسان للأشخاص الأكثر تهميشا والأكثر عرضة للخطر".
وتابع: "يتطلب احترام حقوق الإنسان استثمارا محددا ومستمرا في سيادة القانون. وللبنان تاريخ عريق في مجال القانون، إذ كان في السابق موطنا لكلية حقوق علمت وثقفت طلابا أتوا من جميع أنحاء العالم. ويزعم أن ثلث القوانين الرومانية جاءت من بيروت. وقد كان رئيس الوزراء المكلف يرأس أعلى هيئة قضائية في العالم، أي محكمة العدل الدولية".
واردف: "في مناقشاتي مع الرئيس الجديد ورئيس الوزراء المكلف، عرضت مساعدة مفوضيتنا في دعم التزاماتهما في مجال الإصلاحات الرئيسية اللازمة لتعزيز سيادة القانون واستقلال القضاء وشفافية عمله. وعلى نفس القدر من الأهمية، من الضروري للغاية إصلاح نظام العدالة والسجون بغية معالجة الاكتظاظ والأوضاع المزرية في السجون بأدنى حد".
وقال تورك: "أرحب بالتزام الرئيس العلني بضمان المساواة والعدالة والحماية للجميع واحترام الحريات وحرية الصحافة والتعبير. كما انتهزت الفرصة لأدعو إلى استئناف التحقيق المستقل في الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في آب/أغسطس 2020، وأودى بحياة أكثر من 218 شخصا وجرح 7000 آخرين، من بينهم 1000 طفل، وتسبب في تشريد مئات الآلاف. وأعيد التأكيد على أنه تجب محاسبة المسؤولين عن هذه المأساة، وأكرر دعم مفوضيتنا في هذا الصدد".
اضاف: "لا يزال لبنان يواجه واحدة من أسوأ حالات التدهور الاقتصادي في التاريخ الحديث، مع انخفاض حاد في قيمة العملة وتضخم من ثلاث خانات يؤثر على الاحتياجات الأساسية في جميع أنحاء البلاد. فوفقا للبنك الدولي، يعيش 44% من السكان تحت خط الفقر. ويحتاج 2,5 مليون شخص تقريبا إلى مساعدات غذائية، منهم 1,26 مليون شخص يواجهون الجوع الحاد".
وتابع: "كما توقفت العديد من خدمات القطاع العام عن العمل، وتدهورت إمكانية الحصول على الرعاية الصحية والتعليم، وانخفضت إمدادات الكهرباء بشكل بالغ. وقد أثرت أوجه الحرمان هذه على حياة المواطنين العاديين الذين لم تعد لديهم ثقة في قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها".
وقال: "هناك حاجة لتجديد العقد الاجتماعي الذي يعيد بناء النسيج الاجتماعي ويعيد الثقة بمؤسسات الدولة ويوفر مسارات لمستقبل كريم قادر على تسخير إمكانات اللبنانيين وقدراتهم وتحقيق تطلعاتهم. وقد لمست بنفسي دوما ثراء وإبداع الشعب اللبناني، ولا سيما الشابات والشبان الذين أدوا دورا حاسما في الضغط من أجل تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وسيستمرون في لعب دور حيوي في المستقبل".
اضاف: "يجب أن تبقى حقوق جميع اللبنانيين، لا سيما الفئات الضعيفة، مترسخة في صميم السياسات الاقتصادية والضريبية والمالية. فهذا ما يعنيه الاقتصاد القائم على حقوق الإنسان. ويجب أن تمنح القرارات المتعلقة بالموازنة والاستثمار الأولوية إلى التعليم والصحة والحماية الاجتماعية".
وتابع: "أعرب عن تعاطفي العميق مع سكان لبنان لمعاناتهم بشكل مروع نتيجة النزاع الأخير. لقد تسببت العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان بخسائر فادحة في أرواح المدنيين – بما في ذلك قتل عائلات بأسرها، وتشريد واسع النطاق وتدمير البنية التحتية المدنية، ما يثير مخاوف جدية بشأن احترام مبادئ التناسب والتمييز والاحتياطات".
واردف: "لقد قتل أكثر من 4000 شخص، من بينهم أكثر من 1100 امرأة وطفل، وأكثر من 200 من العاملين في مجال الرعاية الصحية وبعض الصحافيين، فيما أصيب أكثر من 16000 شخص بجروح. كما نزح أكثر من مليون شخص في ذروة النزاع، ولا يزال أكثر من 160 ألف شخص في حالة نزوح. يجب أن يتحول وقف إطلاق النار في لبنان إلى سلام دائم، ويجب أن يتمكن المدنيون من العودة إلى ديارهم بأمان".
وقال: "تبقى مفوضيتنا على استعداد لتعزيز عمل حقوق الإنسان ومرافقة البلاد وهي تمضي قدما في هذا المجال".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك