كتب عقل العويط:
يعزّ على المرء العاقل أنّ لا يعثر على "فرصةٍ ذهبيّة" للخلاص الوطنيّ، في ضوء حَدَثَين جليلَين:
في ضوء العِبَر المستخلَصة والعِبَر غير المستخلَصة ممّا واجهه لبنان أخيرًا من خرابٍ جمعيّ، بأثرٍ من حروب المشاغلة والإسناد. وفي ضوء ما يُعايَن من انعدام الجدارة الوجوديّة والمصيريّة والدستوريّة والأخلاقيّة لدى الغالبيّة العظمى من القوى والأطراف والأحزاب السياسيّة، لانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة. لا أحد تقريبًا يريد أنْ يتّعظ ممّا أصابنا، وممّا نحن فيه، وممّا قد يكون ينتظرنا، وبلادنا، من استحقاقاتٍ خطيرة، وأيّامٍ مشؤومة. الشرق برمّته على كفّ عفريت، وليس بيننا مَن يتهيّب.
المرء العاقل، لا يرى أمامه، خلال هدنة الستّين يومًا التي انصرم أكثرها، سوى الممعنين اللّاهثين وراء تأبيد المقامرة بالأرض، بالناس، وبالدولة، واعتبار تلك وهؤلاء وهذه، دروعًا يُضحّى بهم، وموضوعًا للسمسرة والمقايضة... من أجل ثلاثين فضّةً. بل أقلّ. بل أقلّ. والمرء العاقل يقول: من أجل لا شيء. من أجل لا شيء.
لبنان بلدٌ صعبٌ، وبالغُ التعقيد، وكثيرُ الهشاشة في الآن نفسه. وسريعُ العطب. كلّ استقواءٍ عليه من داخلٍ (بأيّ عذرٍ أو ذريعة)، إنّما هو غباءٌ مطلقٌ، يتكرّر باستمرار، وهو خدمةٌ مجّانيّةٌ لخارجٍ لا تعنيه سوى مصلحته، التي ليس للبنان وللبنانيّين فيها أيّ قيمةٍ، واعتبار. حسبُ المرء العاقل والمرء غير العاقل أنْ يتّعظا من حرق الأصابع. لأنّ الحريق لن يكتفي باليدين، ولا بالأطراف، بل سيكون الجسم برمّته هو المحرقة، وهو الوليمة. وآنذاك لن يبقى وجودٌ لأحدٍ، ولا للبنان.
فإلى أين تأخذوننا؟!
هذا بالنسبة إلى الموضوع الأوّل، موضوع العِبَر المستخلَصة والعِبَر غير المستخلَصة ممّا واجهه لبنان أخيرًا من خرابٍ جمعيّ، بأثرٍ من حروب المشاغلة والإسناد. أمّا بالنسبة إلى الموضوع الثاني، أي ما يُعايَن من انعدام الجدارة الوجوديّة والمصيريّة والدستوريّة والأخلاقيّة لدى الغالبيّة العظمى من القوى والأطراف والأحزاب السياسيّة، لانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة، فهو متلازمٌ – يا للهول - مع الموضوع الأوّل أعلاه، ما يرتبط به من انعدام الولاء الوطنيّ، والاستغراق في المستنقع الموحل، وتفضيل الارتماء في حضن الخارج على الارتماء في حضن الداخل.
في هذا الموضوع الثاني، حيث المطلوب هو رئيسٌ فوق الأحزاب والأطراف جميعًا، وأكبر منها، يُرى البغاء السياسيّ على أشدّه، وكذا يُقال عن تقزّم المنتخِبين (النوّاب في غالبيّتهم العظمى)، حيث يستحلي المرء العاقل أنْ يقف نائبٌ على الملأ فيهتف قائلًا باسم نفسه وحزبه ومنتخِبيه إنّي أريد هذا الرئيس لأنّه فقط أكبر منّي ومن حزبي وطائفتي، ولأنّه بذلك يضع لبنان على سكّة الخلاص. يُرى في موضوع انتخاب الرئيس – لا يُرى سوى الانحطاط والسمسرة والاستهتار والقنص والعجز والقزميّة والصغر والتصاغر والقحط وانعدام التبصّر والتعقّل والحكمة. وحسبُ المرء العاقل أنْ يقول في هذا الصدد: ألف سنةٍ بدون رئيس، على أنْ يؤتى برئيسٍ "خيخة"، يكون على صورة ومثال هذه الغالبيّة العظمى من القوى والأطراف والأحزاب السياسيّة. أيضًا: إلى أين تأخذوننا؟!
على سبيل الخاتمة:
في ضوء ما يُستخلَص من الاستهتار بالعِبَر، ومن انعدام الجدارة والأداء الجائر والرخيص على المستويين الآنفين، يصرخ امرؤٌ من عميق يأسه، مخاطبًا ما ومَن تبقّى من "عالم": هنا طبقةٌ سياسيّةٌ فاشلة، خلِّصونا منها، بـ"فصلٍ سابعٍ"، أو بـ"وضع اليد"، أو بسواهما!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك