كتب نادر حجاز في موقع mtv:
"وكأنك عدت إلى دمشق منتصراً"... "يافطة" رُفعت في بلدة مكسة البقاعية، على طريق الشام الدولية التي عبرها الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، والوجهة دمشق، مختصرة تاريخ الرجل مع حكام سوريا من اللحظة الأولى لتسلّمه الزعامة على دم والده.
وأخيراً، ترك جنبلاط ضفة النهر، وعبَر الحدود بعد ١٣ سنة، ومعه طيف كمال جنبلاط، وكأنه يثأر لذاك اليوم المشؤوم في ١٦ أذار ١٩٧٧، ليطوي مع سوريا الجديدة حقبة مرّة عاش يومياتها وتفاصيلها على مدى ٤ عقود من حياته السياسية.
اجتاز جنبلاط المصنع إلى المقلب السوري وسط صور ممزقة للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، وبعض آليات عسكرية متروكة على جانبي الطريق، ومراكز عسكرية خالية. نعم لقد انتهى ذلك الزمن، ودمشق أقرب من أي وقت مضى.
على الطريق تجمّع العشرات من أبناء جبل الدروز في سوريا، استقبلوا زائرهم بالأهازيج و"الحوربة"، وببنادقهم وقد أنهت معركتها للتو. رافقوه إلى جبل قاسيون، على أمل لقاء قريب في السويداء، وإن لم يتحدد الموعد بعد.
وصل جنبلاط إلى قصر الشعب قبل الموعد، لكن رئيس الحكومة الانتقالية محمد البشير كان باستقباله، لوجود الشرع باجتماع مع وفد سعودي رفيع كان وصل بزيارة مفاجئة قبل دقائق، ورافقه على السجاد الأحمر إلى صالون الشرف، يرافقه وفد رفيع من مشيخة العقل برئاسة شيخ العقل سامي أبي المنى ومن كتلة اللقاء الديمقراطي برئاسة النائب تيمور جنبلاط والحزب التقدمي الاشتراكي باختلاف أطيافه. فالزيارة حملت هموم الدروز طبعا، لكنه حرص على إيصال رسالة واضحة بأنه "يزور كل سوريا".
لم يغيّر جنبلاط عادته خلال زياراته الرسمية، وإن كان مضيفه مقاتل سابق، فقد اختار أن يهدي القائد الجديد لسوريا أحمد الشرع، أبو محمد الجولاني سابقاً، كتاباً لجدّه الأمير شكيب ارسلان. مع ما يمثّله من إرث عربي وإسلامي عريق، مختصراً بذلك الكثير من الكلام عن الدروز وهويتهم الإسلامية.
رسائل كثيرة حملتها الزيارة من حيث الشكل والتوقيت، الا أن أهم ما حصل خلال اللقاء الأول لسياسي لبناني مع الشرع هو التأسيس لعلاقات سليمة وندّية، ربما للمرة الأولى في تاريخ البلدين. وكان لافتاً أن يستذكر الشرع كمال جنبلاط وبشير الجميل ورفيق الحريري، وكأن به يعتذر للشعب اللبناني عن كل ما تحمّلوه طوال العقود السابقة.
وحضرت ملفات لبنانية كثيرة شائكة في اللقاء، ومعظمها ضمّنها جنبلاط مذكرة تفصيلية سلّمها للشرع، تتمحور حول العلاقات المشتركة اللبنانية السورية ورؤيته حول كيفية مقاربتها، واعادة النظر بالكثير من المعاهدات بين البلدين.
لم ينه جنبلاط زيارته قبل التأكيد على ضرورة تحقيق العدالة لجميع الضحايا في لبنان وسوريا، وتحويل سجن صيدنايا إلى متحف ليبقى شاهداً على ما حصل ويخبر الأجيال القادمة.
كاد جنبلاط أن يعتزل السياسة من عامين، وإذ بأحداث عظمى تعود لتدفعه إلى الانغماس أكثر. فمذكرات زعيم الجبل التي ستبصر النور قريباً لن تكون بلا نهايات، وأحلاها لسيّد المختارة جاءت من دمشق.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك