كتبت كارين القسيس في "نداء الوطن":
يبدو أنّ تحرير لبنان وإسناد غزّة وتحرير القدس من "العدو الغاشم"، انتقل هذه المرّة من الـ100 ألف مقاتل إلى منصات "مفقوعات" الممانعة.
حتّى هذه اللحظة لم تسلم محطة الـ MTV من الأبواق الرخيصة والمأجورة، فبعد ما عجز فريق الممانعة عن التحريض من خلال استخدام مسؤوليه، ها هو اليوم يستخدم فتيات يعشقن "الشهرة" تحت ما يُسمّى "بحرّية الرأي".
الرواية هنا لا تطال التهويل على محطة واجهت النظام الأمني اللّبناني- السوري في عزّ قوّته وهيمنته، وتصدّت للدويلة في أوجّ مجدها، الرواية لا تدخل ضمن حريّة الرأي والتعبير، بل إنّ ما يحاول "حزب الله" فعله عبر هؤلاء هو التحريض على القتل، وليس مجرّد انتقاد المحطة أو سياستها، والفرق شاسع بين حرية التعبير والتحريض على القتل، كالمسافة بين خطابات قيادة حزب الله وأبواقه خلال حرب الاسناد والواقع الذي يعيشه الحزب حالياً.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل أصبحنا في عالم يعترف فيه البعض بأنّ تهديد الأرواح بات أداةً للتعبير عن الرأي أو فرض منطق القوة؟ الحياة ليست ملكاً لأحد ليتلاعب بها أو يهددها لمصلحة ضيقة أو بسبب نزوات سياسيّة أو انتقام شخصيّ، بالطبع يُمكنكم الاختلاف ومعارضة الرأي الآخر ولكن عندما تصل الأمور إلى حدّ التحريض على القتل والتخوين وتوزيع اتهامات العمالة عشوائياً، هنا لا بدّ للقضاء أن يتدخل، وهذا ما طالبت به الـ MTV.
وهذه هي الفئة التي ادّعت عليها القناة، والتي استثنت كلّ من هاجمها وانتقد خطّها السياسي، من باب احترامها لحرية الرأي التي لطالما نادت بها، ولكنّها صوّبت سهام القضاء على من شنّ حملة على إدارتها وموظفيها ومراسليها، طالتهم بالشخصي وبلغت حدّ التهديد بالقتل والعمالة.
فهذه التهديدات لا تعكس سوى الجبن والعجز عن مواجهة الحقيقة. إنّ هذه المحاولات لن تثني الصحافيين عن أداء واجبهم المهني في نقل الحقائق وكشف الحقيقة "كما هي" لا بالزائد ولا بالناقص، بغض النظر عن الضغوطات أو حملات التخوين. أساليبكم البائسة تضرّ ببيئتكم المتهالكة أولاً، لأنّ كلّ ما تريده اليوم هو إعادة إعمار ما اقترفته أيديكم.
لجأت محطة الـ MTV عبر وكيلها المحامي مارك حبقة إلى تقديم دعوى بحق العشرات ممّن تجاوزوا الخطوط الحمر بحقّها، بينهم "الفاشينيستا" غنى غندور وسحر غدّار، والصحافية التابعة لتيار المردة إيفيلنا مهاوس، بالإضافة إلى 34 شخصاً آخرين.
وبعد توجه المدّعى عليهم إلى مركز المعلوماتيّة، حاول مدعي عام التمييز القاضي جمال حجّار إطلاق سراحهم، إلاّ أنّ هذا القرار قوبل بالرفض من قبل المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي رجا حاموش الذي قال لهم حرفياً "لكم حق التعبير والرأي ولكن التحريض على القتل والتعرّض لكرامات الناس غير مسموح" وطلب منهم التوقيع على تعهّد بعدم التعرّض للكرامات، وإزالة التغريدات المسيئة بحق القناة. البعض تجاوب وأخلي سبيله إلاّ "الفارسات الثلاث" المذكورات أعلاه. لكن سرعان ما تدّخل على الفور حجّار وكسر كلمة حاموش.
بعد إصرارهنّ على موقفهنّ، تداعى بضع عشرات من مؤيدي "محور الممانعة" إلى محيط ثكنة الشهيد جوزيف ضاهر في غاليري سمعان، بحضور نائبَي "حزب الله" حسن فضل الله وابراهيم الموسوي الذي اشتبك كلامياً مع القوى الأمنية بعدما منعته من الدخول لمواكبة التحقيق مع الفتيات الثلاث، ووصلت به الوقاحة إلى حدّ التطاول على العناصر المولجة حراسة المكان متوجّهاً إلى أحدهم بالقول "افتح يا حيوان"، والموقف موثّق بالصوت والصور ومتداول على مواقع التواصل الاجتماعي.
الأمور لم تقف عند هذا الحدّ، حيث "عادت حليمة لعادتها القديمة"، وأفادت معلومات "نداء الوطن" بأن رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في "حزب الله" وفيق صفا، وجرياً على عادته حين هدد القاضي طارق البيطار المحقق العدلي في ملف انفجار المرفأ وقال إنه قادر على "قبعه" من العدلية، عاد وفرض سطوته على القضاء وتدخل لإطلاق سراحنّ فوراً، فكان له ما أراد.
فائض القوة والاستعلاء على القضاء، منح المطلق سراحهنّ وحشود المؤيدين لهنّ زخماً للعودة إلى زمن الماضي القريب، فانطلقت هتافات التهديد والوعيد التي امتدت لترداد شعار "هيهات منّا الذلة".
زمن "فائض القوّة" ولّى
وكأنّ "حزب الله" يُعيد استقواءه على القضاء مجدداً بعد خسارته المدويّة في الميدان، لكن هذه المرّة ليس عبر تهديد المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، إنّما عبر تهديد القاضي جمال الحجّار.
في حديث لـ"نداء الوطن" يُؤكّد الوكيل القانوني لمحطّة الـ MTV، المحامي مارك حبقة أنّ "الفتيات" تُركن رهن التحقيق ولم يتمّ الإفراج عنهنّ كما يُروّج البعض، مشدداً على أنّه سيُعاد الاستماع إليهنّ.
لم يتّعظ "حزب الله" من كلّ ما جرى وهو لا يزال يعتبر نفسه "الآمر والناهي"، إلاّ أنّ حالة الارباك والافلاس السياسي واضحان من مواقف قيادات الحزب، فبعد أن أعلن أمينه العام الحالي الشيخ نعيم قاسم "الانتصار"، استفاق مسؤولو "الحزب" على هروب الطاغية بشار الأسد، فهل شدّة "الانتصارات" جعلتهم يختبئون وراء "عارضات الموضة" و"المؤثرات" على مواقع التواصل الاجتماعي؟
يقول المحامي أنطونيو فرحات في حديث لـ"نداء الوطن" إنّ هذا الموضوع سياسي ولا علاقة له بالقانون وتُرجم ذلك من خلال تراجع القاضي حاموش عن إشارته وبالتالي تحت وطأة الضغط السياسي.
ورأى أنّ هناك فرقاً شاسعاً بين الحرّيات الشخصيّة وتحليل دماء المواطنين اللّبنانيين، مشدداً على أنّ المعركة ليست معركة حرّيات إنّما تحدّياً لفرض رأي القوى التي تعتبر أنّ استقواءها وفرض رأيها بالقوّة قد ولّى وأنّ بهذه الطريقة تُعيد انتاج ذاتها مجدداً في الداخل.
بدوره رئيس الدائرة الثقافية في "القوات اللبنانية" جورج حايك علّق على منصة "إكس""عنجهية الممانعة لا حدود لها، يريدون هدر دمّ وسائل الإعلام اللبنانية الحرة، وإذا احتكمت الأخيرة إلى القضاء، يبدأون بالتهديد والوعيد! استحوا بقى".
بعد كلّ الأحداث الأمنيّة التي جرت في لبنان، من حقّ الـ MTV وغيرها من المؤسسات الإعلاميّة المعارضة لحزب الله أن تتخوّف من عمليات التحريض وتحليل الدماء التي تطالها، فلا شيء يمنع من أن يكون مصير أي صحافي معارض كمصير الشهيد لقمان سليم. ففي ظلّ غياب المحاسبة والقضاء سيبقى الشعب اللّبناني في خوف مستمر، خصوصاً أنّ الفريق المحرّض لم يتعظ ومستمر بترهيب الأحرار والتجارب معه لا تشجع، فما حصل ليس معركة حريات بل دعم لمحرضي القتل لإرهاب المتمسكين بالحريات.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك