كتبت أمل شموني في "نداء الوطن":
يشكّل التحوّل الأخير في سوريا لحظة محورية، أنهت أكثر من ستة عقود من الحكم البعثي وحكم نظام الأسد. ولا يغيّر هذ التحول في المشهد السياسي داخل سوريا فحسب، بل سيعيد تشكيل الديناميكيات الإقليمية في الشرق الأوسط في تصاعد التوترات وتغيّر الولاءات. "نداء الوطن" سألت السفير الأميركي السابق في لبنان ومدير معهد بيكر حالياً ديفيد ساترفيلد عن الفرص والتحديات في منطقة الشرق الأوسط.
المشهد المتغيّر في سوريا
عن المشهد السوري الذي شهد نهاية 61 عاماً من الحكم البعثي، و"الذي اتسم بالوحشية والفساد"، علق السفير ساترفيلد على هذه التطورات فوصفها بـ "غير العادية". وقال: "إن إنهاء نظام الأسد أمر يستحق الترحيب، خصوصاً في سوريا، وأيضاً في لبنان الذي عانى بشكل كبير على مدى عقود من يد سوريا الوحشية". وأوضح "أن هذا التغيير لا يؤثر على سوريا فحسب، بل على المنطقة ككل، التي كانت لفترة طويلة تحت ظل طغيان الأسد".
وماذا عن اكتساب الجماعات المتمردة الجديدة، التي كانت مرتبطة سابقاً بتنظيم "القاعدة"، زخماً، أجاب ساترفيلد أن هناك "مخاوف متزايدة داخل المجتمع الدولي". وأكد الحاجة إلى "الحذر". واستدرك قائلا: "إننا نرحب بالتأكيدات الخطابية على أنه لن تكون هناك معاملة تمييزية للأقليات أو النساء. ومع ذلك،سنكون حذرين للغاية".
وحول العواقب الجيوسياسية، وبخاصة لإيران التي اعتمدت تاريخياً على سوريا لدعم "حزب الله"، حليفها في لبنان، قال ساترفيلد: "عندما بدأ الحراك خارج إدلب، وأصبح انهيار قوات الأمن السورية وشيكاً، كان من الواضح أن روسيا وإيران لم تتحركا بشكل حاسم لدعم الأسد". وعزا هذا التقاعس إلى مجموعة من نقاط الضعف، قائلًا: "كان هذا نتيجة حقيقية لمجموعة غير عادية من الظروف في الداخل وعلى مستوى المنطقة، أبرزها، الاضطراب الكبير والتدهور الذي أصاب قيادة "حزب الله" الإرهابية وترسانته". أضف إلى ذلك، انشغال روسيا في الحرب الجارية في أوكرانيا. وعلاوة على ذلك، أصبحت إيران غير محصنة مع استمرارها في طموحاتها بالهيمنة. إن هذا المأزق شكل قيوداً كبيرة لكل من "حزب الله" وإيران، وتركهما في وضع هش في ما يتصل بنفوذهما الإقليمي".
نفوذ إيران المتناقص
وتحدث ساترفيلد عن انعكاس تطورات الوضع على لبنان لا سيما لجهة تنفيذ القرار 1701 واستمرار وقف إطلاق النار، فأشار إلى أن "حزب الله" وافق في البداية على وقف إطلاق النار بسبب الضربات المباشرة التي وجهتها إسرائيل ضده والتدابير المتخذة ضد إيران. وقد أدرك الطرفان أن استمرار الأعمال العدائية لن يؤدي إلا إلى المزيد من الضربات الإسرائيلية ضد قيادات "حزب الله" وبنيته التحتية العسكرية".
وهل ستعزز الأحداث في سوريا تنفيذ قرارات الأمم المتحدة في لبنان، وتزيد من احتمالات صمود وقف إطلاق النار، قال: "من المؤكد أن "حزب الله"يدرك أنه فقد خط دعم حيوياً آخر من إيران. وآمل في أن يكون لبنان أكثر استقراراً، وأن يساهم كل هذا في تعزيز قدرة الشعب اللبناني على ممارسة حقه في صنع قراراته أكثر مما كانت عليه الحال منذ عقود".
تركيا وإسرائيل
ولفت ساترفيلد إلى انعكاس الأحداث السورية على كل من تركيا وإسرائيل. فقال: "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. أما موقف الحكومة الإسرائيلية من وجودها في منطقة قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (UNDOF) على الحدود مع سوريا، فهو موقت، ومدفوع بالفراغ الأمني".
من جانب آخر، أقرّ ساترفيلد بحق تركيا في "التصرف دفاعاً عن النفس" على طول حدودها مع سوريا لكنه نصحها بالحذر، قائلا: "لقد نصحنا تركيا بالامتناع عن الأعمال التي قد تؤدي إلى تفاقم الوضع الأمني في سوريا، لا سيما تلك التي قد تؤدي إلى خدمة داعش".
وأشار ساترفيلد إلى التعاون بين الولايات المتحدة و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وكذلك "وحدات حماية الشعب الكردي"، للحد من قدرة (داعش) على العمل مجدداً في شرق سوريا، قائلًا: "من الأهمية بمكان أن نمنع الجهود المعطلة التي من شأنها أن تهدد ليس فقط مصالحنا، ولكن أيضاً الاستقرار الإقليمي". وسلط الضوء على العمليات العسكرية الأميركية في سوريا ضد (داعش)، قائلا: "نحن نجري هذه العمليات ليس فقط من أجل المصالح الأميركية، بل لحماية الاستقرار الإقليمي ضد عودة داعش".
التداعيات على السياسة الخارجية الأميركية
حول أهمية الأحداث السورية التي تثير تساؤلات حول الاستراتيجيات التي ينبغي للولايات المتحدة أن تفكر فيها للمضي قدماً، أكد ساترفيلد أن الرئيس الأميركي الحالي يعمل على عدة جبهات، بما في ذلك الجهود الرامية إلى تحقيق وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن. وقال: "إن هذا الهدف، الذي أعاقته (حماس)، أصبح أقرب الآن مما كان عليه في العام الماضي، ونأمل أن يتحقق في المستقبل القريب".
وأشار ساترفيلد إلى أن الإدارة الأميركية ستظل ملتزمة محاربة (داعش). أضاف: "نحن نواصل جهودنا المباشرة لاحتواء (داعش) في سوريا، وبخاصة من خلال شراكتنا مع "قوات سوريا الديمقراطية" و"وحدات حماية الشعب". ومع ذلك، سيمتد التركيز إلى ما هو أبعد من (داعش)". وحذر ساترفيلد: من أن"إيران لا تزال تشكل تحدياً كبيراً في المنطقة. لقد أدت انتكاساتها العسكرية وخسارتها لنفوذها في سوريا إلى تغيير الوضع، لكن تهديدها لا يزال قائماً".
ولفت الى إن "بناء التحالفات في الشرق الأوسط هو هدف بالغ الأهمية للولايات المتحدة". وقال: "إن الحفاظ على شراكات قوية، وبخاصة مع المملكة العربية السعودية، أمر ضروري، ويتم السعي إلى ذلك بكل جهد ممكن".
ومع اقتراب موعد انتقال الرئاسة إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، أقر ساترفيلد بأن الإدارة القادمة ستواجه "تحديات وفرصاً". وقال: "هناك فرص حقيقية للتعامل مع إيران ولتعزيز الاستقرار في المنطقة".
واقترح ساترفيلد أن تُمنح الإدارة القادمة المساحة اللازمة لإظهار نواياها، وقال: "أعتقد أنه من المناسب أن نتركهم يتصرفون ويتحدثون عن أنفسهم. إن الوقت المتبقي لانتقال السلطة قصير جداً".
مصالح الولايات المتحدة
وأبرز ساترفيلد أهمية حماية الشركاء الإقليميين للأميركيين وكذلك حقوق الشعب السوري. وقال: "إن القلق الأساسي الذي يساور الولايات المتحدة، والذي يشترك فيه كثيرون في المجتمع الدولي، هو ألا تشهد سوريا وشعبها تحولاً إيجابياً"، وحذر من خطر عدم الاستقرار، ومن أن تنزلق البلاد إلى ما أسماه "الفتنة والفوضى". وأضاف: "ستكون هذه مأساة ليس فقط للسوريين، بل للمنطقة بأسرها". و"القلق الثاني"، كما قال ساترفيلد، هو إتاحة الفرصة أمام (داعش) "سواء في شمال شرق سوريا أو في البادية السورية، لاستعادة قدرتها الإرهابية على فرض التهديدات".
وأكد ساترفيلد حاجة الولايات المتحدة إلى البقاء يقظة في مواجهة التحديات المحتملة. وقال: "علينا أن نراقب الوضع من كثب ونتخذ تدابير استباقية لحماية شركائنا الإقليميين، الأردن والعراق ودول الخليج وإسرائيل ولبنان".
وخلص ساترفيلد إلى القول: "إن هدفنا هو تمكين الشعب السوري من التعبير عن إرادته في ما يتعلق بحكمه، والتزام الولايات المتحدة بتعزيز بيئة مستقرة وآمنة تحترم رغبات الشعب السوري".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك