كتب محمد شقير في "الشرق الأوسط":
يتريّث «حزب الله» في حسم موقفه حيال التطورات العسكرية المتسارعة في سوريا بعد سيطرة «هيئة تحرير الشام» والفصائل المسلحة على مزيد من المدن السورية، مكتفياً بإعلان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم وقوفه إلى جانب النظام في سوريا لإحباط أهداف العدوان «بما نتمكّن منه»، وكأنه يوحي بالتضامن معه من دون انخراطه في الميدان للدفاع عنه، على الأقل في المدى المنظور، ريثما تقرر إيران الخروج من الإرباك، من جرّاء الصدمة التي أحدثتها حالات الانهيار في صفوف الجيش السوري، وتُحدد خريطة الطريق في مواجهة الوضع المستجد في سوريا.
فالشيخ قاسم في كلمته المتلفزة إلى جمهوره ومحازبيه خصّ التطورات العسكرية المتلاحقة في سوريا بفقرة أدرجها في ذيل خطابه، وصفتها مصادر سياسية لبنانية بأنها تحتمل أكثر من معنى لافتقارها إلى رؤية واضحة يحدد فيها موقف الحزب منها، وكأنه يتهيّب منذ الآن لما ستقرّره إيران من خطوات ليكون في وسعه بأن يبني على الشيء مقتضاه وصولاً إلى حسم موقفه، آخذاً بعين الاعتبار ما يمكن أن يترتب على انخراطه في المواجهة من ارتدادات يمكن أن تتفاعل بداخل الحزب والإقليم في آن واحد.
وتلفت المصادر إلى أن الحزب يتهيّب لما يعصف بسوريا، ولا خيار أمامه سوى التضامن معها، وهو يواكب حالياً ما يدور بداخلها في ضوء ردود الفعل الأولية الصادرة عن طهران وبغداد، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إن الحزب في وضعه الراهن عسكرياً وسياسياً يختلف عما كان عليه قبل أن يقرر إسناده لغزة ويدخل في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل أدت إلى استنزاف قدراته على المستويات كافّة، وهو ينغمس حالياً في إعادة ترتيب بيته الداخلي ولملمة صفوفه استعداداً للتعامل مع المرحلة الجديدة المترتبة على التوصل لوقف النار تمهيداً لتطبيق القرار «1701» بكل مندرجاته تحت إشراف لجنة المراقبة الدولية المكلفة بتثبيته ومعالجة الخروق الإسرائيلية له.
وتؤكد المصادر أن الحزب في وضعه الراهن ليس في وارد الانخراط، كما في السابق، في المواجهة المفتوحة الدائرة في سوريا، وتعوزه القدرات اللوجيستية للتدخل بتأمين انتقال وحدات من مقاتليه إلى سوريا للدفاع عن النظام فيها؛ لأن المعابر المؤدية إليها لم تعد سالكة، وماذا يمنع إسرائيل من استهدافها وهي في طريقها إلى المواقع المحددة لها؟
كما لم يعد في وسع الحزب، حسب المصادر، إرسال وحدات متنقلة إلى الداخل السوري، في حين ينشغل حالياً في رفع الأنقاض في القرى الجنوبية التي دمّرتها إسرائيل لانتشال جثامين ضحاياه من تحتها، وماذا يمكنه أن يقول لجمهوره في حال سقوط مجموعة من مقاتليه على أيدي الفصائل المسلحة.
فالمزاج العام لجمهوره ومحازبيه قد يكون، كما تقول المصادر نفسها، في مكان آخر؛ ليس لأنه متعب فحسب، وإنما قد لا يجد مبرراً لانخراطه في إسناده للحكم السوري الذي نأى بنفسه عن التدخل طوال حرب الحزب مع إسرائيل، وكأنه أخرج نفسه من وحدة الساحات ولم يعد في عداد المنتمين إلى «محور الممانعة»، خصوصاً أن موقفه كان موضع تساؤل من قِبل جمهور الحزب الذي أخذ على القيادة السورية عدم معاملة الحزب بالمثل يوم قرر التدخل لمساندتها ولمنع النظام من السقوط.
وتكشف المصادر عن أن الحزب بادر، مع دخوله في مواجهة إسرائيل، إلى سحب أبرز القيادات والكوادر العسكرية من أماكن انتشارها في سوريا، مؤكدة أنه قرّر خفض حضوره العسكري في عدد من المواقع الحساسة، وهذا ما تسبّب بإحداث ثغرة سهّلت اجتياح الفصائل المسلحة لعدد من المدن السورية، وأُولاها حلب لأن الخطوط الدفاعية التي أقامها النظام، وتخضع مباشرة لإمرة ضباط من «قوة الرضوان»، كانت تضم مقاتلين من «فيلق القدس» الإيراني و«الحشد الشعبي» العراقي، وآخرين من الفصائل المنتمية إلى «محور الممانعة».
لكن المصادر السياسية لا تأخذ على عاتقها التكهن بالموقف الذي يمكن أن يتخذه الحزب إذا حسمت إيران أمرها وقررت النزول بكل ثقلها، ولو متأخرة، للمشاركة في الدفاع عن النظام في سوريا، وإن كانت تتعامل مع تسارع التطورات العسكرية من زاوية أنها تصب في خانة تطبيق ما ورد في اتفاق وقف النار لجهة إقفال الطريق الممتد من طهران إلى بيروت، مروراً بدمشق وبغداد؛ لمنع إيصال السلاح إلى «حزب الله».
وتؤكد المصادر أن المعابر ما بين طهران وبغداد تخضع حالياً لرقابة من واشنطن التي تستعين بأجهزة رقابة مشددة جواً وبراً لمنع عبور شحنات السلاح إلى دمشق، وتقول إن إسرائيل تتكفل بالمعابر الحدودية التي تربط سوريا بلبنان، وتدمرها بالتزامن مع استهدافها الجوي للتجمعات العسكرية والأمنية الإيرانية بغية تفكيكها وشل قدرتها بالإشراف على نقل إمدادات السلاح إلى «حزب الله».
ومع أن المصادر نفسها لا تؤكد ولا تنفي ما تتناقله بعض وسائل الإعلام الأجنبية حول إرسال «حزب الله» في الساعات الأخيرة مجموعة من مستشاريه العسكريين من النخبة إلى سوريا، لتدعيم وجوده في عدد من المواقع الاستراتيجية الممتدة بين حمص والقصير، فهي في المقابل تكشف أن الحزب بادر في الساعات الأخيرة إلى تدعيم حضوره العسكري والأمني في جرود البقاع الشمالي، تحسباً لاحتمال تمدد الفصائل المسلحة إلى داخل الأراضي اللبنانية في ضوء ما توافر لديه من معلومات بأن تنظيم «داعش» يعيد حالياً تجميع صفوفه، وأن الضرورة تقضي برفع الجهوزية لقطع الطريق على احتمال توغلها بقاعاً.
وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر أمنية لبنانية رسمية بارزة بأن هناك مبالغة في الحديث عن إرسال الحزب المئات من مقاتلي النخبة إلى سوريا، وأن ما حصل حتى الآن بقي في حدود انتقال العشرات، من بلداتهم الواقعة في المنطقة الحدودية المتداخلة بين البلدين، إلى القصير.
وتلفت في الوقت نفسه إلى أن الجيش اللبناني استقدم قوات إضافية لتدعيم انتشاره على امتداد الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا، فيما يُطبق سيطرته بالكامل على طول الحدود الشمالية، بدءاً من عكار وامتداداً إلى طرابلس وجوارها، وأجرى مسحاً أمنياً وسياسياً أدى إلى توقيف عدد من المشتبه بهم على خلفية قيامهم بردود فعل مؤيدة للفصائل المسلحة في سوريا، بالإضافة إلى ضبطه للوضع بين باب التبانة وجبل محسن، مما حال دون توتير الأجواء، بالإضافة إلى تشديده الرقابة على عدد من الأحياء لمنع الإخلال بالأمن.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك