كتب ريمون مارون - مركز الشرق الأوسط للأبحلث والدراسات الاستراتيجية MEIRS
في خطابه الأخير، أعلن الشيخ نعيم قاسم، أمين عام حزب الله، استعداد الحزب للتحاور مع جميع القوى السياسية من أجل بناء لبنان الواحد وفقاً لاتفاق الطائف. هذا التصريح، في ظاهره، يبدو خطوة إيجابية نحو المصالحة الوطنية وإعادة ترتيب البيت اللبناني على أسس ثابتة. لكن حين ننظر بعمق، نجد أن هذا الموقف يتناقض بشكل جوهري مع ممارسات الحزب واستمراره في التمسك بسلاحه خارج نطاق الدولة.
اتفاق الطائف، الذي يُعتبر الإطار المرجعي لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، ينص بوضوح على نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليمه إلى الدولة. هذه الخطوة ليست مجرد بند في اتفاق سياسي، بل هي شرط أساسي لبناء دولة قادرة على فرض سيادتها وضمان وحدة مؤسساتها.
ومع ذلك، يبدو أن حزب الله يصر على استثناء نفسه من هذا البند، مبرراً ذلك بمقاومته للاحتلال الإسرائيلي سابقاً وتحرير الجنوب. ورغم كل الحجج التي يقدمها الحزب، إلا أن الواقع الحالي يشير إلى أن السلاح الذي يحتفظ به لم يعد مرتبطاً بالمقاومة المباشرة، بل أصبح جزءاً من منظومة نفوذ إقليمية تتجاوز الحدود اللبنانية.
إلى جانب الطائف، يأتي اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، الذي يلحظ نزع سلاح جميع المجموعات المسلحة في لبنان، بما فيها حزب الله، لضمان أن تكون القوات المسلحة الشرعية وحدها المخولة بحمل السلاح اي الجيش اللبناني. هذا الالتزام يحمل أبعاداً مزدوجة: فهو لا يعكس فقط رغبة دولية في استقرار لبنان، بل يشكل أيضاً أساساً لسيادة الدولة وحمايتها من التورط في صراعات إقليمية.
لكن، ماذا يعني أن يعلن الشيخ نعيم التزامه بالطائف في الوقت الذي يتمسك فيه الحزب بسلاحه؟ هذا التناقض ليس مجرد تفصيل، بل هو جوهر المعضلة اللبنانية: كيف يمكن بناء دولة عندما تكون هناك قوة خارج إطارها، تحتفظ بقرار الحرب والسلم، وتعمل وفق أجندة خاصة؟
دعوة حزب الله للحوار تبدو وكأنها محاولة لإعادة تأكيد دوره كجزء من المنظومة السياسية اللبنانية، لكن الحوار الحقيقي لا يمكن أن يتم إذا لم يكن هناك التزام واضح بمبادئ الدولة. التمسك بالسلاح يجعل من أي حوار عملية غير متكافئة، حيث تكون الدولة مجرد شريك ضعيف أمام قوة تفرض شروطها من خلال امتلاكها أدوات القوة.
إذا أراد حزب الله حقاً أن يكون جزءاً من مشروع بناء لبنان الواحد، عليه أن يبدأ بخطوة جريئة تتمثل في تسليم سلاحه إلى الدولة اللبنانية. هذه الخطوة لن تكون مجرد التزام باتفاق الطائف أو وقف إطلاق النار، بل ستكون دليلاً على أن الحزب يؤمن بمستقبل لبنان كدولة قادرة، مستقلة، وقوية.
الحديث عن الالتزام باتفاق الطائف مع الإبقاء على السلاح ليس فقط تناقضاً في المواقف، بل هو عائق أمام تحقيق المشروع الوطني اللبناني. فالدولة، كي تكون قوية وموحدة، تحتاج إلى أن تكون السلطة فيها واحدة، والسلاح بيد واحدة، والقرار بيد مؤسساتها الشرعية.
في النهاية، لبنان لا يحتاج إلى بيانات تُكتب بكلمات رنانة، بل إلى أفعال تترجم الأقوال. وأول تلك الأفعال هو أن يختار الجميع، دون استثناء، طريق الدولة، وليس طريق القوة. فهل يكون حزب الله على قدر هذا التحدي.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك